حدث في مثل هذا اليوم (28 صفر)

حدث في مثل هذا اليوم (28 صفر)

في هذا اليوم من الشهر المذكور من سنة 11 هجرية توفي عظيم الدنيا والآخرة سيد المرسلين وخاتم النبيين أبو القاسم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، فأظلمت الأرض لغيبته، وانتثرت النجوم لمصيبته، فـ﴿إنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. روى الدميري في كتاب (حياة الحيوان) عن أبي ذؤيب الهذلي الشاعر أنه قال: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليل، فاستشعرت حزناً وبتّ بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها، فبت أقاسي طولها، حتى إذا كان وقت السحر أغفيت فسمعت هاتفاً يقول:

خطب أجل أناخ بالإسلام *** بين النخيل ومعقد الآطامِ
قبض النبي محمد فعيوننا
*** تذري الدموع عليه بالإسجامِ

قال أبو ذؤيب: فوثبت من منامي فزعاً، فنظرت إلى السماء فلم أرَ من النجوم إلا سعد الذابح، فأولته ذبحاً يقع في العرب، وعلمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قبض أو هو ميت من علّته فركبت ناقتي وسرت حتى قدمت المدينة، إذا بها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام، فقلت: ما الخبر؟ قالوا: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله). فجئت إلى المسجد فوجدته خالياً، فأتيت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأيت بابه مرتجّاً فقلت: أين رسول الله؟ فقيل هو مسجى. وقد خلا به أهله. قلت: فأين الناس؟ قيل: في سقيفة بني ساعدة.

قال: فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وجماعة من قريش، ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة، وفيهم شعراؤهم حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وغيرهم.

وبعد كلام طويل بين المهاجرين الأنصار بايع الناس أبا بكر خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حينئذ بعد لم يقبر، وأهل بيته مشغولون بمواراته([1]).

***

وفي اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر سنة 157 هجرية توفي فقيه الشام صاحب المذهب المشهور عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي الهمداني. يقال: إنه كان لا يوجد في الشام من هو أعلم منه، وكان قد روى عن صعصعة ابن صوحان العبدي، والأحنف بن قيس التميمي، ولكنه لم يسمع منهما؛ لأن مولده سنة 88 هجرية، وكانت وفاة الأحنف سنة 67 هجرية، ووفاة صعصعة سنة 60. وكان مولده ببعلبك، ونقلته أمه إلى بيروت، وما زال بها إلى أن توفي بها.

وكان سبب وفاته أنه دخل الحمام ببيروت، وكان لصاحب الحمام شغل، فأغلق الحمام وذهب، ثم جاء ففتح الباب، فوجده ميتاً قد وضع يده اليمنى تحت خده وهو مستقبل القبلة، فدفن في قرية على باب بيروت يقال لها حنتوس، وأهلها مسلمون، وهو مدفون في قبلة المسجد ولا يعرفه إلّا الخواص من الناس. ورثاه بعضهم فقال:

جاد الحيا بالشام كل عشية *** قبراً تضمن لحده الأوزاعي
قبر تضمن فيه طود شريعة *** سقياً له من عالم نفَّاع
عرضت له الدنيا فأعرض مقلعاً
*** عنها بزهد أيما إقلاع([2])

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من الشهر المذكور سنة 392 هجرية توفي أبوالفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي المشهور. كان إماماً في علم العربية، قرأ الأدب على الشيخ أبي علي الفارسي المتوفى سنة 377 هجرية، ويقال: إنه من مشايخ السيد الرضي المتوفى سنة 406 هجرية. وكان ابوه جني مملوكاً رومياً لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي، وإلى هذا أشار بقوله من جملة أبيات:

فإن أصبح بلا نسب *** فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى *** قروم سادة نُجبِ
قياصرة إذا نطقوا *** أرمَّ الدهر ذو الخطبِ
اُولاك دعا النبي لهم
*** كفى شرفاً دعاء نبي([3])

وأرمَّ بمعنى سكت.

ولابن جني من المصنفات المفيدة في النحو  والصرف وغيرهما كثير، وقد شرح ديوان المتنبي، وكان معجباً بشعره، كما أن المتنبي كان معجباً بعلمه، وكان يقول: هذا رجل لا يعرف قدره إلا قليل من الناس. ولما مات المتنبي سنة 354 هجرية رثاه ابن جني (رحمه الله) بقصيدة بائية، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 28/ 2 من سنة 626 هجرية توفي ببغداد يعقوب بن صابر بن بركات الحراني النجيفي الشاعر المشهور. ومن شعره أنه لما سمع البيتين اللذين قالهما الشاعر المجهول عن لسان الياقوت وهما:

القني في لظى فإن أحرقتني *** فتيقن أن لست بالياقوتِ
جمع النسج كل من حاك لكن
*** ليس داود فيه كالعنكبوت

عمل الشاعر المذكور جواباً لهما فقال (رحمه الله):

أيها المدّعي الفخار دع الفخـ *** ـر لذي الكبرياء والجبروتِ
نسج داود لم يفد ليلة الغا *** ر وكان الفخار للعنكبوتِ
وبقاء السمند في لهب النا *** ر مزيل فضيلة الياقوتِ
وكذاك النعام يلتقم الجمـ
*** ـر وما الجمر للنعام بقوتِ([4])

ونقول فيما يتعلق بهذه الأبيات: إن الياقوت من خاصيته أن النار لا تؤثر فيه. قال ابن خلكان في كتاب (وفيات الأعيان): وإلى هذا أشار الحريري في المقامة السابعة والأربعين بقوله:

وطالما أصلي الياقوت جمر غضىً *** ثم انطفا الجمر والياقوتُ ياقوتُ([5])

وأما قول يعقوب في البيت الثاني.

نسج داود لم يفد ليلة الغا *** ر وكان الفخار للعنكبوتِ

فهذه إشارة إلى حديث هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه لما دخل الغار مع صاحبه نسج العنكبوت على باب الغار، فلما رأته قريش قالوا: ليس ها هنا أحد؛ فإنه لو دخله أحد لأزال نسج العنكبوت.

وقوله في البيت الثالث:

وبقاء السمند في لهب النا *** ر مزيل فضيلة الياقوتِ

أشار فيه إلى الطائر المسمى بالسمندل الذي يقع في النار فلا تؤثر فيه. ويعمل من ريشه مناديل، فإذا توسخت طرحوها في النار، فتأكل الوسخ الذي عليها ولا يحترق المنديل.

قال ابن خلكان: ومثله السَّرَفوت، وهي دويبة تعيش في كور الزجاج وتبيض وتفرخ في النار ولا تعمل فيها النار شيئاً. فسبحان خالق الأضداد والأمثال([6]).

قال ابن خلكان: وأما البيت الرابع الذي ذكر فيه النعام وأنه يلتقم الجمر فهذا شيء شاهدناه كثيراً، وهو شيء معروف بين الناس، وليس بغريب([7]).

ولقب المترجم بالحراني؛ نسبة إلى حرَّان بلاد فيما بين النهرين بتركيا، ولقب بالمنجنيقي؛ نسبة إلى عمل المنجنيقات؛ لأنه كان في ابتداء أمره جندياً مقدماً على المنجنيقيين ببغداد، ثم ترك الجندية واشتغل بالشعر. وقال في ذلك:

كلفت بعلم المنجنيق ورميه *** لهدم الصياصي وافتتاح المرابطِ
وعدت إلى نظم القريض لشقوتي *** فلم أخلُ في الحالين من قصدِ حائطِ([8])

وكان مولده بتاريخ 25 /6/ 573، وتوفي بالتاريخ المذكور سنة 626 هجرية؛ فعمره 53 سنة فقط، ودفن بالمقبرة الجديدة بباب مشهد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).

وكان آخر ما قاله من الشعر قوله:

إذا ما بات من ترب فراشي *** وصرت مجاور الربِّ الرحيمِ
فهنوني اُصيحابي وقولوا *** لك البشرى قدمت على الكريمِ([9])

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من سنة 1322 هجرية توفي حجة الإسلام آقا رضا الهمداني صاحب كتاب (مصباح الفقيه). رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من سنة 1381هـ كما في (الأزهار الأرجية)([10]) أقيم ذكرى الأربعين لوفاة حجة الإسلام الإمام المجاهد الشيخ محمد حسين المظفر (طيب الله ثراه) بمدرسة آية الله العظمى السيد البروجردي بالنجف الأشرف، وحضره الجم الغفير من شتى الطبقات، ولكن الكثرة الساحقة كانت من العلماء والأدباء، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته. وبموجب ذلك تكون وفاته بتاريخ 18 /1/ 1381 هجرية. رحمه الله برحمته.

_________________

([1]) حياة الحيوان الكبرى 1: 426، وانظر الاستيعاب 4: 1648ـ 1649/ 2942.

([2]) وفيات الأعيان 3: 127.

([3]) تاريخ بغداد 11: 310، وفيات الأعيان 3: 246.

([4]) وفيات الأعيان 7: 41.

([5]) وفيات الأعيان 7: 43.

([6]) وفيات الأعيان 7: 43 ـ 44.

([7]) وفيات الأعيان 7: 44.

([8]) سير أعلام النبلاء 22: 310، وفيات الأعيان 7: 37.

([9]) وفيات الأعيان 7: 45.

([10]) الأزهار الأرجية، م3، ج8: 385.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top