حدث في مثل هذا اليوم (28 رجب)
في ليلة هذا اليوم من سنة 60 من الهجرة خرج الحسين (عليه السلام) من مدينة جدّة بسبب المضايقات التي حصلت له من الأمويين بسبب امتناعه عن البيعة ليزيد بن معاوية واتّجه إلى مكة المكرمة. وقد روي عن سكينة بنت الحسين أنّها قالت: خرجنا من المدينة في ليلة ذات برق ورعد، وما من أهل بيت في شرق الأرض أو غربها أشدّ خوفاً منّا أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال السيد جعفر الحلّي:
خرجَ الحسينُ مِنَ المدينةِ خائفاً *** كخروجِ موسى خائِفَاً يَتَكَتَّمُ([1])
وللمؤلّف سامحه الله:
لكنَّ موسى لم يكنْ بعياله *** فمصيبةُ السبطِ المعظَّمِ أَعْظَمُ
خرجَ الحسينُ بأهلِهِ وعيالِهِ *** هَذي تنوحُ له وهَذي تَلْطُمُ
***
وفي هذا اليوم من سنة 234 هجرية تُوفّي بـ(ـقرطبة) من بلاد الأندلس يحيى بن يحيى بن كثير الليثي، تفقّه بالمدينة المنورة على يد مالك بن أنس، وبمكة على يد سفيان بن عيينه، وبمصر على عدّة من علمائها، ثمّ عاد إلى الأندلس وانتهتْ إليه الرئاسة بها، وبه انتشر مذهب مالك في تلك البلاد.
قال أبو محمد علي بن أحمد المعروف بـ(ـابن حزم الأندلسـي) المتوفّى 456: مذهبان انتشرا في مبدأ أمرهما بالرئاسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة انتشر بأبي يوسف القاضي المتوفّى بتأريخ: 5 / 3 / 182، الذي كان لا يُولِّي من القضاة إلّا مَن هو على مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك بن أنس انتشر بيحيى بن يحيى الليثي، فإنّه كان مكيناً عند السلطان، فكان السلطان لا يُولّي قاضياً إلّا بمشورته، وكان لا يشير إلى مَن هو على مذهب مالك والناس سُرَاع إلى الدنيا فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به، فانتشر هذان المذهبان بهذا السبب على أنّ يحيى لم يلِ قضاءً قط، ولا أجاب إلى قبوله، ولكن ذلك كان زائداً في جلالته عند ملوك عصره وداعياً إلى قبول رأيه لديهم([2]). رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم 28 / 7 / 1337 هجرية تُوفّي آية الله العظمى والمرجع الديني الأعلى السيد محمد كاظم ابن السيد عبد العظيم الطباطبائي اليزدي، المولود في قرية (كسنو) من قرى يزد سنة 1247 هجرية، ونشأ على العمل في الزراعة مع أبيه، ثمّ عزم على طلب العلم على كبر، فقرأ المبادئ العربية وسطوح الفقه والأصول في يزد، ثمّ خرج إلى أصفهان فأخذ عن علمائها الموجودين بها، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1281 هجرية، وفي هذه السنة تُوفّي الشيخ مرتضى الأنصاري، فلم يتسنَّ له الأخذ عنه وأخذ عن الموجودين بعده، ثمّ تفرّغ للتأليف والتدريس، وكان لغوياً متقناً فصيحاً بالعربية والفارسية، ينظم وينثر فيهما، جيِّد النَقْد قويُّ التمييز، وكان يصلّي جماعة في الصحن الشريف فيأتمّ به الخَلْق الكثير، وقد صنّف رسالتَهُ العروة الوثقى وفيها فروع كثيرة جيِّدة الترتيب، أبرز فيها كلّ فرع على حدة بعنوان (مسألة)، وجعل لأعداد مسائلها أرقاماً فسهّل التناول منها، وأقبل الناس عليها حتى نَسخت ما قبلها، وانتهت إليه الرياسة الدينية وصار معوّل التقليد في المسائل الشرعية، وقَبض على زعامة عامة الإمامية وسوادهم، وجبيت له الأموال ممّا قلّ أن يتّفق نظيره، وقد طُبعتْ رسالته المذكورة باللّغتين العربية والفارسية في زمانه، ثمّ علّق عليها بعده كلُّ مَن تصدّى للتقليد إلى زماننا اليوم، ولمّا تُوفّي (رحمه الله) بالتأريخ المذكور أعلاه، أقيمتْ له فواتح لا تكاد تَحصر بكثرتها في العراق وإيران وغيرهما، على الرغم ما أصاب مرجعيّته من الوهن في آخر عمره بسبب قضية المشروطة والاحتلال الإنجليزي للعراق الذي حصل سنة 1919م، حتى بلغ الأمر أنّ المصلّين الذين كانوا يأتمّون به في الصحن الحيدري الشريف تضاءل عددهم إلى أقلّ من أصابع اليد بعدما كان الصحن الشريف يمتلئ بهم، وتطاول بعض الشعراء آنذاك فقال:
وواللهِ مَا أدري وإنّي لحائرٌ *** أشرُّ الورى يَزْدِيْها أَمْ يَزِيْدُها
قال صاحب كتاب (مع الصادقين): وبلغ به الحال إلى أنّه يمرّ في الأسواق فلا يُسلّم عليه أحد، إلى أن أصيب بمرض السلّ فبقي طريح الفراش إلى أنْ تُوفّي بالتأريخ المذكور 28 / 7 / 1337 هجرية، ودُفن في الصحن الحيدري عن يمين الداخل من باب الطوسي، وما شيّعه إلّا عامّة الناس والكسبة فقط. رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم وهو اليوم الثامن والعشرين من شهر رجب سنة 1340 هجرية تُوفّي الخطيب الكبير والشاعر الشهير ملّا علي بن الملّا حمزة الملقّب (بالخيري)، ولد ببغداد سنة 1270 هجرية، ونشأ بالحلّة، واتّصل بشاعر الحلّة الفيحاء السيد حيدر الحلّي ـ المتوفّى بتأريخ: 9 / 3 / 1304 ـ وتأثّر بأدبه، فكان من ملازمي داره ومن رواة أشعاره، ثمّ صحب ولده السيد حسين وابن أخيه السيد عبد المطلب، وفي أواسط عمره سكن القرية المعروفة بقرية (ذي الكفل): وهو نبي الله حزقيل، ولهذا تغلّب عليه اليهود في ذلك الزمان وبنوا فيه مخازن وبيوتاً وغرفاً يسكنها الزائرون، منهم الذين يأتون لزيارته في عيد رأس السنة وعيد الكفارة وغيرهما من المواسم، فتقدّم زعيم البلدة الحاج ذرب بن عباس ـ الذي هو سادن المشهد مع كونه زعيم البلد ـ إلى السلطان عبد الحميد في سنة 1305 يشكوا إليه ما فعل اليهود من تسلّطهم على المشهد مع أنّه يعود للمسلمين بدليل ما هو موجود فيه من الآثار الإسلامية كالمنبر والمحراب والمنارة، فلمّا ناقش اليهود في ذلك أنكروا كلّ ذلك، فأرسلتْ الدولة رجلاً من موظّفيها ببغداد فجاء إلى قرية (ذي الكفل) للكشف عن ذلك، فجلس في ظلّ المنارة وكتب تقريراً خلاصته: أنْ لا منارة هناك، فكتب الحاج ذرب كرّاسة عن المشهد وحدوده ومساحته وما فيه من آثار إسلامية وتأريخ المنارة وموضع المحراب والمنبر، وما أزاد فيه اليهود من بنايات حديثة، ورفع ذلك إلى السلطان عبد الحميد، فأوفد لهم السلطان لجنةً من قِبَله لاستيضاح الحقيقة، ولكنّ اللجنة عند قدومها من (الآستانة) إلى بغداد اتصل بها اليهود وأعطوها من المال ما يرضيها فأيّدتْ التقرير الأوّل ونفتْ وجود كل أثر إسلامي وأخذت للمكان صوراً فوتغرافية من الجهة التي لا يظهر فيها صورة للمنابر مع أنّها باقية إلى الآن، فصار مثال ذلك مثلاً يُضرب عند أهل تلك الناحية، فيُقال عن كل شيء يُغصب علانيةً: (ما أشبهه بمنارة الكفل).
وقد تُوفّي المترجم له ـ الملّا علي الخيري ـ بهذه القرية بالتأريخ المتقدّم 28 /7/ 1340، ولكنّه حُمل إلى النجف فدُفن فيها، ومِن أشعاره (رحمه الله) في أهل البيت قوله:
قذِيَتْ لآلِ محمّدٍ عينُ الهدى *** والشّركُ قدْ أمسى قريرَ عيونِ
فمخضّبٌ بالسيفِ حالَ سجودِهِ *** في كفِّ أشقى العالمينَ لَعِيْنِ
ومكابِدٌ سُمَّ العدوِّ بمهجَةٍ *** تفدى النفوس لسرِّها المكنونِ
إلى آخر القصيدة الموجودة في مظانّها. رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
***
وفيه من سنة 1370 هجرية تُوفّي بالنجف الأشرف فقيه الأمّة ونائب الأئمة الشيخ محمد رضا آل يس (رحمه الله)، ورجع أكثر الناس ـ ومنهم أهالي القطيف والأحساء ـ إلى تقليد السيد محسن الطباطبائي الحكيم المتوفّى بتأريخ 27 / 3 / 1390 هجرية (رحمه الله)، ولم يكن هذا الشيخ الجليل ممّن يمتهن الشعر، ولكنّه قد تفيض قريحته في بعض المناسبات فيقول البيت والبيتين، ومن ذلك قوله عندما زار مسلم بن عقيل وهاني بن عروة:
إنْ جئتَ كوفانَ يَوْمَاً *** وطفْتَ تلك المغاني
زُرْ مسلمَ بن عقيلٍ *** وحَيِّ مرقدَ هَانِي
تَفُزْ بما ترتجِيْهِ *** من المَنَى والأَمَانِي([3])
ويقول السيد جواد شبّر (رحمه الله) في كتابه (أدب الطف): ولقد دُعيت مرّة إلى مأتم يختص بالسيد الجليل السيد محمد بن الإمام علي الهادي (عليه السلام)، وبعد الفراغ من حديثنا عنه أنشدنا الشيخ المترجم (رحمه الله):
يا أبا جعفر إليكَ لَجَأْنَا *** ولِمَغْنَاكَ دونَ غَيْرِكَ جِئْنَا
فعسى تَنْجلي لنا آيُ قُدْسٍ *** فنرى بالعَيَانِ ما قد سَمِعْنا
قال: قلّما رأيت مرجعاً من المراجع يخلو من ناقم عليه أو ناقدٍ له ولبعض حاشيته، إلّا هذا الشيخ الكريم فإنّه قد أجمع الناس على حبّه والثقة به([4]).
وقد تُوفّي بالكوفة عصر يوم السبت 28 / 7 / 1370 هجرية، فنعتْه الإذاعة وعطّلت من أجله الأسواق، وحُملت جنازته إلى النجف الأشرف مجلَّلة بالأعلام السود والناس يردّدون الأناشيد المحزنة، فكان ذلك اليوم مشهوداً، وقد أصدر صاحب مجلّة البيان النجفية عدداً خاصاً بذكر المآتم التي أُقيمت من أجله وماذا قيل فيه من الشعر والنثر، وأرّخ وفاته الخطيبُ الكبير الشيخ محمد علي اليعقوبي المتوفّى 21 / 6 / 1385، فقال (رحمه الله):
رزيّةُ الدين جَلّتْ في أبي حسنٍ *** فابَّنَتْهُ رجالُ العلمِ والدينِ
أُمّ الكتابِ ويس بكتْ جَزَعاً *** أرِّخ (ليوم الرضا من آل يس)
رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم وهو اليوم الثامن والعشرين من شهر رجب سنة 1372 هجرية، وُلد بالقطيف الشهم النبيل والأديب الكبير والكاتب الشهير محمد رضا ابن الحاج منصور بن الحاج حسن بن نصر الله القطيفي، وقد أرّخ ميلاده المقدس الشيخ فرج العمران (رحمه الله) فقال:
من آلِ نصرِ اللهِ أربابِ النهى *** بدرٌ بآفاقِ المعاني قَدْ أَضَا
والفضلُ نادِيْهِ زَهَى مبتهِجَاً *** حينَ سَنَاهُ بِفِنَاهُ أو مَضَا
وإنْ تَسَلْ عنهُ وعنْ بزوغِهِ *** أرِّخ (هو البدرُ محمّدٌ الرضا)([5])
1372
وَّفق الله المترجم لما فيه الخير والصلاح.
_________________