حدث في مثل هذا اليوم (27 صفر)

حدث في مثل هذا اليوم (27 صفر)

في اليوم السابع والعشرين من شهر صفر استشهد نبي الله يحيى بن زكريا (عليه السلام)، وقد روي في الكتب التي تتحدث عن قصص الأنبياء أن سبب قتل يحيى (عليه السلام) أنه كان بارعاً في الشريعة الموسوية، ومرجعاً مهما لكل من يستفتي في أحكامها. وكان أحد حكام فلسطين ـ واسمه هيرودس ـ يريد أن يتزوج أحد محارمه، فيقال: إنها ابنة أخيه، ويقال: إنها ابنة زوجته. والبنت وأمها تريدان ذلك وعنده من علماء اليهود من يجيز له تزويجها، ويقول: إنها لم تذكر حرمتها في التوراة.

غير أن يحيى (عليه السلام) لم يرضَ عن هذا الزواج، ويراه محرماً، وصارح الملك بذلك، وصرخ في وجهه أنها لا تحل له.

وأصرت أمها على تزويجها بالملك، وأخرجتها له في زينتها، وسقته الخمر، ورقصت له، فقال لها وقد دارت الخمرة في رأسه: تمني ما أردت. فطلبت هي وأمها راس يحيى بن زكريا (عليه السلام). فلبى طلبتها، وأرسل من جلاوزته من جاءها برأس يحيى (عليه السلام)([1])، فـ﴿إنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.

وقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: «ما نزل أبي منزلاً، وما ارتحل من منزل منذ أن خرج من مكة وإلى أن نزل كربلاء إلا وسمعته يقول: إن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا (عليه السلام) يُهدى إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل»([2]).

أقول: ولعله (عليه السلام) يشير بذلك إلى وجود الشبه فيما بينه، وبينه ولكن:

فإن تكن آل اسرائيل قد حملت *** كريم يحيى على طشت من الذهبِ
فآل سفيان يوم الطف قد حملوا *** رأس ابن فاطمة فوق القنا السلبِ
هل سيروا الرأس بالمخلاة هل شربوا *** عليه هل ضربوا للثغر بالقضبِ
وهل حملن ليحيى في السبا حرم
*** كزينب ويتامى هل على القتبِ([3])

***

وفيه من الشهر المذكور سنة 11 من الهجرة قتل باليمن الأسود بن كعب العنسي ـ واسمه عبهلة، ويقال له ذو الخمار ـ الذي ادعى النبوة باليمن، وغلب على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والأحساء إلى عدن، واستطار أمره كالحريق، فطرد عمال النبي (صلى الله عليه وآله) عن اليمن، وتقدم إلى نجران، وقتل فيها أميرها بشر بن باذان وبني بزوجته، ونشر سلطانه على تلك الأصقاع. فبعث النبي (صلى الله عليه وآله) إلى عماله باليمن أن يقاوموه حتى يقتلوه ولو بالغيلة، فتألب المسلمون على قتاله، ونجحوا في تواطئهم مع زوجته الصالحة آزاد التي تزوجها بعد قتل زوجها شهر بن باذان، والتي قالت لهم: والله ما خلق الله شخصاً أبغض إليّ منه؛ إنه لا يقوم لله على حق، ولا ينتهي عن محرم. فأعلموني أمركم لاُخبركم بوجه الحيلة.

فلما أخبروها بما يريدون من قتله، وكان فيهم ابن عم لها يقال له فيروز، فقالت لهم: إنه متحرز، وليس شيء من القصر إلّا والحرس محيطون به غير هذا البيت؛ فإن ظهره إلى مكان كذا، فإذا أمسيتم فانقبوه عليه، فإنكم  من دون الحرس، وليس دون قتله شيء.

ففعلوا ذلك وقتله فيروز (رحمه الله)، ولما ضربه خار كما يخور الثور، فسمع الحرس صرخته، فثاروا وقالوا: ما هذا؟ فقالت زوجته الصالحة آزاد: النبي يوحى إليه. فخمدوا، وجاء الصباح، فأذن فيروز وأصحابه من القصر بكلمة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله). ففزع الحرس وشنوا غارتهم، فراسلهم المسلمون وبذلوا لهم ما يرضيهم، فانتهى أمر الأسود، واُوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك في نفس الليلة، فأخبر المسلمين بقتله على يد رجل مبارك من أهل بيت مباركين اسمه فيروز([4]).

قيل: وكان أمرالأسود العنسي من أوله إلى آخره قريباً من أربعة أشهر.

***

وفيه من سنة 246 هجرية توفي ببغداد أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي صاحب الإمام الشافعي. وكان أحد الفقهاء الأعلام، والثقات المأمونين في الدين. له الكتب المصنفة في الأحكام جمع فيها بين الحديث والفقه، وكان أول اشتغاله بمذهب أهل الرأي حتى قدم الإمام الشافعي العراق، فاختلف إليه واتّبعه، ورفض مذهبه الأول. ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بتاريخ 27 /2 /246 هجرية، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 589 هجرية الموافق 4/ 3/ 1193 م توفي بدمشق صلاح الدين الأيوبي عن عمر يناهز 56؛ فقد كان مولده سنة 532 هجرية. وكان أبوه أيوب من قرية دُوين في شرق أذربيجان، وهم بطن من الراودية من قبيلة الهذانية من الأكراد نزلوا بتكريت، فولد بها صلاح الدين، وتوفي فيها جده شاذي. ثم رحلوا منها ودخل أبوه وعمه شيركوه في خدمة سلطان دمشق وحلب والموصل، وهو عماد الدين محمود بن زنكي المتوفى 11/ 10/ 569. واشترك صلاح الدين مع عمه شيركوه في حملة وجهها عماد الدين للاستيلاء على مصر سنة 559 هجرية، فكانت وقايع ظهرت فيها مزايا صلاح الدين العسكرية، حتى تم لعمه شيركوه الظفر، فاستولى على زمام الأمور بمصر بعد قتله لشاور وزير الملك العاضد آخر الملوك الفاطميين.

وحينئذ جعله الملك العاضد الفاطمي وزيراً له بديلاً من وزيره المقتول شاور، ولكن شيركوه ما لبث أن مات بتاريخ 23/ 6/ 564، فاختار العاضد الفاطمي للوزارة وقيادة الجيش صلاح الدين بعد عمه شيركوه، ولقبه بالملك الناصر. ولما توفي الملك العاضد بتاريخ 11/ 1/ 567 هجرية ـ وقد تقدم ذكر موت العاضد وما جرى له من صلاح الدين الأيوبي بتاريخ 10/ 1 ـ استقل صلاح الدين بملك مصر، وانتهت به الدولة الفاطمية التي عاشت 268، ثم استولى على بعلبك وحمص وحماه وحلب، ودانت له البلاد من آخر حدود النوبة جنوباً وبرقة غرباً إلى بلاد الأرمن شمالاً وبلاد الجزيرة والموصل شرقاً. وكان أعظم انتصار له على الفرنج في فلسطين والساحل الشامي يوم حطين بتاريخ 2/ 4/ 583 الذي تلاه استرداد طبرية وعكّا ويافا إلى ما بعد بيروت، ثم افتتاح القدس بتاريخ 27/ 7/ 583 حتى قيل فيه:

الله أكبر جاء القوس باريها *** ورام أسهم دين الله راميها
فكم لمصر على الأمصار من شرف *** باليوسفين فهل أرض تدانيها
فبابن يعقوب هزت جيدها طربا *** وبابن أيوب هزت عطفها تيها
قل للملوك تخلّي عن ممالكها
*** فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها ([5])

ولما توفي بالتاريخ المذكور 27 /2/ 589 هجرية حزن الناس عليه حزناً شديداً، رحم الله الجميع برحمته.

***

وفي هذا اليوم 27 من شهر صفر سنة 1315 هجرية توفي العالم الفاضل، المتبحر الورع الكامل، صاحب المصنفات الكثيرة في الفقه والأصول والرجال، أبو المعالي ابن الشيخ الأجل الأفقه الأورع، الشيخ محمد إبراهيم ابن الشيخ محمد حسن الكاخكي الأصفهاني المعروف بالكلباسي المتوفى بأصفهان سنة 1262 هجرية، وقبره بأصفهان جنب مسجد الحكيم، مزار معروف، رحم الله الجميع برحمته.

***

وفي فجر هذا اليوم ـ وكان يوم جمعة من سنة 1362 هجرية ـ ولد بالقديح القطيف الخطيب الكبير، والشاعر الشهير، الشيخ الملا محمد ابن الخطيب الملا حسن بن مكي بن محمد آل ناصر، وهي قبيلة كبيرة مشهورة بالعلم والصلاح. وهو صاحب المؤلفات النافعة، والمصنفات القيمة، ومنها كتاب (علي سيد الأوصياء) وكتاب (صفحات من حياة علي (عليه السلام)) وكتاب (الله الخالق القدير) وغير ذلك من مؤلفاته النافعة.

أما أشعاره فكثيرة وفي شتى المناسبات، وقد ترجم له كتاب (شعراء القطيف)([6]) وأطراه بما يستحقه، وذكر له قصيدتين إحداهما في ذكرى الغدير، والثانية في الحسين (عليه السلام). وذكر له المقدس الشيخ فرج في (الأزهار)([7]) كثيراً من الأشعار، ومنها القصيدة الغديرية التي مدح في آخرها المقدس الشيخ الأميني صاحب كتاب (الغدير) المتوفى بتاريخ 8 /5/ 1390 هجرية فقال:

إيه أميني العلوم وكنزها *** وأمينها من أعظم الأمناء
يا كوكب النجف الأغرّ ومن غدا *** كالدرة البيضا لعين الرائي
إني ولست مبالغاً في مدحكم *** كلا ولو أسهبت في الإطراءِ
أقسمت بالله الكريم وبالنبـ *** ـي المصطفى والآل والزهراءِ
كان الغدير على تلألؤ نوره *** مستخفياً بالنكر والبغضاءِ
فأبنته كالصبح لاح لناظر *** وجلوته للناس مثل ذكاءِ
أوضحت للخصم الألدّ دليلنا
*** ورفعت أرؤسنا إلى الجوزاءِ

وله (حفظه الله) اُرجوزة بعنوان (ملامح من تاريخ القديح) ذكر فيها بعض علماء القديح وبعض خطبائها وشعرائها وعمدها وأدبائها وعاداتها وتقاليدها، وغير ذلك مما يذكر عن البلدان ذات الأهمية. وقد نشرت هذه الأرجوزة بكاملها مجلة (الموسم) في عدديها التاسع والعاشر، وفق الله مترجمنا الكريم لما فيه الخير والصلاح.

***

وفي اليوم السابع والعشرين من الشهر المذكور سنة 1375 هـ توفي الخطيب الشهير المقدس الشيخ الملا حسن بن أحمد الجامد القطيفي (رحمه الله). ذكر المقدس الشيخ فرج العمران في كتابه (الأزهار) أن الحاج سعيد ابن الملا حسن الجامد المذكور ذكر له أن أباه قال له في ليلة اليوم الذي توفي فيه: يا ولدي، إني مللت الحياة، وقد طلبت من الله سبحانه أني أقرأ في هذه الليلة القادمة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمدة من الآن إلى الليلة الآتية بعيدة، فما أدري ما الحيلة في الموت.

قال ولده المذكور: ففاجأه الموت في صبيحة ذلك اليوم، وكان يوم الخميس 27 /2/ 1375. والليلة الآتية التي تمنى أن يقرأ فيها عند النبي (صلى الله عليه وآله) هي ليلة وفاته (صلى الله عليه وآله) 28 /2/ 10([8]).

ومما يخبر بأنه (رحمه الله) نال أمنيته أن بعض المؤمنين من عمال شركة الأرامكو بالظهران رأى في تلك الليلة التي توفي فيها (رحمه الله) كأن منبراً منصوباً في محل واسع، فسأل لمن نصب هذا المنبر؟ فقيل له: إلى الملا حسن الجامد.

وقد ترجم له كتاب (شعراء القطيف)([9]). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من الشهر المذكور سنة 1394 هجرية توفي بالملّاحة من قرى القطيف الحاج الملا عبد الله ابن المرحوم الملا علي بن درويش المتوفى بتاريخ 27 /2/ 1363 هـ (رحمه الله). وقد رثاه المقدس الشيخ فرج العمران بقصيدة طبعت في كتاب (الأزهار)([10]). وقد رثيته بقصيدة منها:

يحيا التقيّ بعالم الذكرى *** بشرى التقيّ بذكره بشرى
ما غير تقوى الله مفخرة *** في عالم الدنيا وفي الأخرى
مات الملوك فمات ذكرهُمُ *** وبقي التقيّ مخلد الذكرى
وإذا طلبت دليل ذاك فخذ *** مني الدليل فإنني أدرى
إن الدليل ثلاثة تركوا *** عين البلاد كليلة عبرى
ليسوا ملوكاً في سرادقُهُم *** لكنهم خدموا بني الزهرا
وتجلببوا التقوى فكان لهم *** قلب البلاد وصدرها قبرا
تبكي البلاد لهم ولا عجب *** إن البلاد عقيبهم حيرى

سلمان إبراهيم أولهم *** كانت مصيبتهم به بِكرا
وقضى أبوسلمان بعدُ وذا *** وجه البلاد لفقده اغبرَّا
وبقية الماضين بعدهما *** دمع البلاد بفقده أجرى
كان المؤمل مفزعاً وإذا *** ركْبُ المنونِ بروحه أسرى

وسلمان إبراهيم هو الملا سلمان بن إبراهيم المتوفى 25 /3/ 1374 هـ، وأبو سلمان هو الملا حسن بن سلمان آل أمبيريك المتوفى 2 /9/ 1384 هجرية، وبقية الماضين هو صاحب الترجمة الملا عبد الله بن الملا علي بن درويش المتوفى 27/ 6/ 1363 هـ رحم الله الجميع برحمته وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي اليوم السابع والعشرين من هذا الشهر سنة 1414 هجرية توفي المجتهد الكبير والمفسر الشهير السيد عبد الأعلى السبزواري صاحب تفسير (مواهب الرحمن) وموسوعة (مهذب الأحكام). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

____________________

([1]) تفسير القمّي 1: 88، سعد السعود: 57.

([2]) الإرشاد 2: 132.

([3]) شجرة طوبى 2: 405.

([4]) تاريخ الطبري 2: 467 ـ 469.

([5]) وفيات الأعيان 7: 212.

([6]) شعراء القطيف 2: 541 / 95.

([7]) الأزهار الأرجية م3، ج8: 241 ـ 242.

([8]) الأزهار الأرجية 13: 52.

([9]) شعراء القطيف 1: 347 / 55.

([10]) الأزهار الأرجية م6، ج15: 503.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top