حدث في مثل هذا اليوم (13 ذي القعدة)
في اليوم الثالث عشر من شهر ذي القعدة رُفع نبي الله ادريس (عليه السلام). وقد تقدم أنه رفع في اليوم الأول من شهر المحرم الحرام، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
وفي هذا اليوم ـ 13/ 11 ـ 295 هجرية توفي الخليفة السابع عشر من خلفاء بني العباس علي المكتفي بالله بن أحمد المعتضد، وهو يومئذٍ ابن إحدى وثلاثين سنة، وثلاثة أشهر، فكانت خلافته ست سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوماً. قال المسعودي في (مروج الذهب): ولم يتقلد الخلافة إلى هذا الوقت وهو سنة 334 هـ من اسمه علي إلا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمكتفي العباسي.
قال الدميري في كتاب (حياة الحيوان): وكان المكتفي مائلاً إلى حب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بارّاً بأولاده، يُحكى أن يحيى بن علي الشاعر المتوفى في ليلة الاثنين 13/ 3/ 300 هجرية، كان أنشده بالرقة قصيدة يذكر فيها فضل أولاد العباس على أولاد علي (عليه السلام)، فقطع عليه المكتفي إنشاده، وقال: يا يحيى كأنهم ليسوا بني عم؟ ما أحب أن يخاطب أهلنا بمثل ذلك وإن كانوا خلفاء. ولم يسمع القصيدة، ولا أجازه عليها. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 345 هجرية توفي ببغداد أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم الزاهد المعروف بـ«غلام ثعلب»: أحد أئمة اللغة المكثرين في التصنيف والتأليف. صحب ثعلباً النحوي زماناً حتى لقب به. ومن كتبه رسالة في (غريب القران)، وكتاب (فضائل معاوية)، وكتاب (غرائب الحديث)، وغير ذلك من الكتب. وفيه يقول أبوالعباس اليشكري:
أبو عمر أولى([1]) من العلم مرتقى *** يذلّ مساميه ويُردى مطاوله
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذباً *** بأن لم يرَ الراؤون حبراً يعادله
هو الشخت([2]) جسماً والفضائل جمة *** فأعجب لمهزول سمين فضائله
إذا قلت شارفنا أواخر علمه *** تفجر حتى قلت هذي أوائله([3])
رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 363 هجرية خلع الملك الثالث والعشرون ـ أو الرابع والعشرون ـ من خلفاء بني العباس ـ وهو القاسم المطيع لله بن عبد الله المقتدر بالله ـ خلع نفسه بسبب ما أصابه من المرض، ثم توفي بدير العاقول سنة 364 هجرية بعد خلعه بشهرين. وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، وكانت خلافته منها تسعاً وعشرين سنة، وأربعة أشهر، وتولى بعده ولده عبدالكريم الطائع لله، فسبحان من لا يزول ملكه.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1028 هجرية توفي بمكة المكرمة الميرزا الاسترابادي محمد بن علي بن إبراهيم الفاضل، الجليل، الكامل، المتكلم، أستاذ ائمة الرجال، صاحب كتاب (منهج المقال في علم الرجال)، وهو كتاب حسن الترتيب، يشتمل على أكثر أسماء الرجال من أهل الرواية والمقال، وعلى ما قيل فيهم. جاور بيت الله الحرام إلى أن توفي، ودفن في مقبرة المعلّى بجوار السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين.
***
وفيه من سنة 1158 هـ توفي آية الله السيد أبوالقاسم جعفر الكبير ابن السيد حسين ابن السيد قاسم الموسوي الخوانساري ـ تلميذ الشيخ المجلسي المتوفى 27 /9/ 1110 ـ ولد بأصفهان سنة 1090 هجرية، وتوفي بقرية «قورجان» من قرى جرفادقان تابع خوانسار. وكان يسكنها، فلما مات دفن بظاهرها.
كان من العلماء العاملين، والفقهاء الكاملين، والأدباء الماهرين، وكان جيد الخط، حسن التأليف. ومن مؤلفاته (مناهج المعارف): كتاب كبير في أصول الدين، وله كتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب (شرح دعاء السحر) برواية أبي حمزة الثمالي ـ المتوفى سنة 150 هجرية ـ وله قصيدة ـ أو أرجوزة ـ خالية من الألف والهمزة تزيد على ثلاثة آلاف بيت في الأدب والحكم الشرعية.
وبالجملة، فهو من نوابغ العلماء، وأفذاذ الأدباء، وهو جد جد مؤلف كتاب (روضات الجنات) ـ المتوفى بتاريخ 8 /5/ 1313 هـ ـ يعني أنه جد جده. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم ـ 13/ 11 ـ من سنة 1316 هجرية توفي بالنجف الأشرف العلّامة السيد محمد ابن السيد المير قاسم الطباطبائي الفشاركي الأصفهاني. جاء من بلده مع أمه إلى كربلاء المقدسة، وأخذ في الاشتغال، حتى صار يحضر درس الأردكاني ـ المتوفى بكربلاء سنة 1302 هجرية ـ وفي حدود سنة 1286 هـ هاجر إلى النجف، ولازم درس السيد الميرزا الشيرازي. ولما هاجر السيد إلى سامراء سنة 1291 هـ هاجر معه، وبقي ملازماً له، ويدرس في الفقه والأصول إلى أن توفي السيد الشيرازي بتاريخ 24 /8/ 1312، فأرادوا منه التصدي للمرجعية، فأبى وقال: إن الرياسة تحتاج إلى أمور غير العلم وأنا رجل وسواسي لا يسوغ لي غير التدريس.
وأشار عليهم بالرجوع إلى الميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى بتاريخ 3/ 12/ 1328 هجرية. وخرج من سامراء إلى النجف، وجعل يدرس فيها، وحضر درسه الأفاضل، وطار ذكره، واشتهر صيته. ولكنه لم تطل أيامه، فتوفي بالتاريخ المذكور ـ 13 /11/ 1316 هجرية ـ رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1354 هجرية توفي في البحرين الخطيب الكبير، الحاج الملا سلمان بن أحمد بن حسين بن أحمد بن حسين بن أحمد بن سليم السهلاوي؛ نسبة إلى بلدة «السهلة» من بلدان البحرين. كان المترجم ـ رحمه الله ـ قد أوتي بسطة في الجسم، والصوت والخطابة، والثقافة؛ ومن أجل ذلك كانت له هيبة واحترام. وقد حظي بتشجيع خطيب عصره الكبير في البحرين الملا علي بن فايز ـ المتوفى سنة 1322 هجرية ـ وكان والده الحاج أحمد ذا مكانة في الصعيدين الاجتماعي والرسمي، وقد اختير عمدة لمنطقته في الوقت الذي كانت فيه العمدوية ذات تقدير واحترام حتى إنها كانت تعرف في ذلك الوقت بـ «الوزارة». وقد آلت بعده إلى ولده المذكور، فكان ملاذاً للناس في الشدائد والملمات؛ تطبيقاً لما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): «كفارة عمل السلطان: قضاء حوائج الإخوان»([4])؛ ولذا قال فيه المقدس الملا عطية الجمري المتوفى 30 /10/ 1401 هـ:
سلمان طارت شهرته *** معلومة زعامته
كم خدم الشعب وذي *** لآل طه خدمته
تصور الهيبة في *** عينيك حقا صورته
رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1387 هجرية توفي بالقطيف العلّامة الجليل، الحجة الشيخ حسين ابن مؤلف كتاب (أنوار البدرين) الشيخ علي ابن الشيخ حسن آل سليمان القديحي القطيفي البلادي البحراني. وكان مولده في النجف الأشرف بتاريخ 18 /8/ 1302 هـ. وقد أرخ عام مولده المقدس الشيخ فرج العمران فقال:
وأشرق الزمان إذ *** أرخت (نجم قد ظهر)([5])
1302
قيل: إنه ختم القرآن في مدة أربعة أشهر، وتتلمذ على يد والده ـ المتوفى بتاريخ 11 /5/ 1340 هجرية ـ وعلى يد الحجة الشيخ محمد بن نمر ـ المتوفى بتاريخ 9 /10/ 1348 هجرية ـ كتب وألف وأنتج وصنف، فمن مؤلفاته: كتاب (منية الأديب)، وكتاب (سعادة الدارين في أحوال مولانا الحسين (عليه السلام))، وغيرها من الكتب النافعة، (كالمجموعة الحسينية)، و(رياض المدح والرثاء). وأما أشعاره فكثيرة، وأكثرها في أهل البيت (عليهم السلام). ومن ذلك قصيدته الحسينية التي منها:
أي خطب عرا البتول وطاها *** ونحا أعين الهدى فعماها
أي خطب أبكى النبيين جمعا *** وله الأوصياء عزَّ عزاها
لست أنساه في ثرى الطف أضحى *** في رجال إلهها زكاها
نزلوا منزلاً على الماء لكن *** لم يبلّوا من الضرام شفاها
وقفوا وقفة لَوَ اْنَّ الرواسي *** وقفتها لزال منها ذراها
بأبي مالكي نفوس الأعادي *** صرعتها العداة في بوغاها
وبنفسي ربائب الخدر أضحت *** للعدا مغنماً عقيب حماها
بعدما كن في الخدور بصون *** سلبت لكنّ العفاف غَطاها
لهف نفسي لها على النيب حسرى *** لم تجد في السباء من يرعاها
وقد كان موته ـ رحمه الله ـ فجأه، فقد بات في ليلة وفاته ـ 13/ 11/ 1387 هجرية ـ بصحة وعافية، يزاول أعماله من كتابه وقراءة، ولم يضطجع على فراشه إلا بعد خمس ساعات من الليل، وكانت ليلة ممطرة، وقد أيقظه أهله في الساعة الثامنة ليأخذوا فراشه إلى غرفة غير الغرفة التي كان فيها؛ لأن سقفها كان يخر منه المطر، فقال لهم: لا حاجة إلى ذلك؛ لأن المطر ينزل في جانب آخر غير الجانب الذي أنا فيه. وعند الفجر جاؤوا ليوقظوه، وإذا به قد توفي وقبض إلى رحمة الله، فشيع بالتشييع الباهر وأقيمت له الفواتح، ورثاه الشعراء. وكان ممن رثاه الشيخ فرج العمران (رحمه الله)، فكان مما قال:
مضى الحسين نقي البرد من دنس *** وطاهر القلب ما شابته أدرانُ
قضى الثمانين في تقوى وفي ورع *** كأنه في التقى والزهد سلمانُ
تراه في منبر الإرشاد مرتجزاً *** كأنه عند سوق الوعظ لقمانُ
كأنه حاتم في بذل درهمه *** وفي فصاحته قس وسحبانُ
صفاته الغر ميراث ولا عجب *** فقد تورث داوداً سليمانُ
صبَّ الإله على مثواه رحمته *** وانصب في قبره عفو ورضوان([6])
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 1409 هجرية توفي العالم الكبير، والمجتهد الشهير، الشيخ الميرزا محسن الفضلي الأحسائي، والد العلّامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي ـ حفظه الله ـ وقد شيعت جنازته إلى المدينة المنورة، ودفن في البقيع. وقد رثيته بهذه القصيدة:
صعدت إلى أوج الخلودِ *** روح سمت فوق الحدودِ
ضاقت بها الدنيا فعا *** دت نحو خالقها الودودِ
كبرت على الدنيا فنا *** داها ارجعي نحوي وعودي
عودي إليَّ لك الرضا *** في خير صحب من عبيدي
فمضت ولم تملك متا *** عاً من طريف أو تليدِ
وكذا يروح الصالحو *** ن بلا قديم أو جديدِ
للعلم والأعمال تدأب *** ليس للقصر المشيدِ
في الذكر والأذكار تسهـ *** ـر ليس في وتر وعودِ
لسعادة الإنسان تعـ *** ـمل ليس للعيش الرغيدِ
ولربما أتت المنيـ *** ـة في ركوع أو سجودِ
هذا أبو الهادي مثا *** ل الطهر والهدْي الرشيدِ
قرناً من الدنيا قضا *** ه وهو في جهد جهيدِ
في العلم والتعليم والـ *** ـإرشاد بالرأي السديدِ
لله دره عاش هـ *** ـذا العمر في نسك وجودِ
يهدي القلوب من العمى *** يحيي النفوس من الجمودِ
فإذا جلست له رأيـ *** ـت لديه معراج الصعودِ
فعليك إن رمت السعا *** دة قول هل لي من مزيدِ
روضات جنات مجا *** لسة فيا روضات عودي
يا حبذا تلك المجا *** لس يومها سعد السعودِ
فيها أبوالهادي الزعيـ *** ـم بدون وعد أو وعيدِ
فيها أبوالهادي المها *** ب بدون نار أو حديدِ
فيها أبوالهادي المطا *** ع بلا سلاح أو جنودِ
هو هكذا في العارفيـ *** ـن ذوي النباهة والجدودِ
لكنه في غيرهم *** هود ثوى في قوم هودِ
كرهوا الصراحة فيه فاعـ *** ـتزلوا الفرات إلى الصعيدِ
وبقي زماناً بينهم *** في قربة مثل البعيدِ
حتى قضى واحسرتا *** ه على الفرائض والحدودِ
واحسرتاه على العلو *** م لفقده يا عين جودي
جودي بدمعك فهو في *** علمائنا عين القصيدِ
وإذا مضى فإلى البقيـ *** ـع يزّف جثمان المفيدِ
فمن الرسول وآله *** في عالم الأرواح نوديِ
نودي عليه بجسمه *** وبروحه يا روح عودي
فينا ارجعي معنا ارتعي *** في جنة الفردوس سودي
هذا جزاؤك فابشري *** بجوار جبار مجيد
بشرى أبا الهادي مضيـ *** ـت إلى الأسرّة والورودِ
وتركت بعدك جهبذاً *** أسداً تولّد من أسودِ
علامة حبراً به *** تبقى حياتك في الوجودِ
وقد توفي هذا الدكتور الفاضل والشيخ الجليل الكامل نادرة الدهر الذي خدم الدين والمؤمنين وأوضح بقلمه ومحاضراته ومناظراته الكثير مما يحتاج الناس إلى معرفته من شريعة سيد المرسلين بتاريخ 27/ 5/ 1434 هجرية، وقد شيع إلى مثواه الأخير بمقبرة سيهات بالتشييع الباهر، وبكت عليه المحابر والمنابر، فإنا لله وإنا إليه راجعون عند الله نحتسبه.
اللهم ارحم الشيخين الكريمين برحمتك وأسكنهما فسيح جنتك.
([2]) الشخت: الدقيق من كل شيء، ويقال للدقيق العنق والقوائم: شخت. العين 4: 167 ـ شخت. على أن هذه الكلمة في المصدر: السحب.
([4]) من لا يحضره الفقيه 3: 176/ 3666، 378/ 4329، تحف العقول: 410.
([5]) الأزهار الأرجية م5، ج12: 94.
([6]) الأزهار الأرجية م5، ج12: 74.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.