حدث في مثل هذا اليوم (1 ذي الحجة)
العشر الأوائل من ذي الحجة هي التي أتم الله بها ميقات موسى بن عمران (عليه السلام)، قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾([1]). وقد روي أنه ما من أيام العبادةُ فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة. وروي أن من صام هذه الأيام غير يوم العيد قدَّر الله له عشر كرامات: البركة في عمره، والزيادة في ماله، والحفظ لعياله، والتكفير لسيئاته، والمضاعفة لحسناته، والتسهيل لسكراته، والضياء لظلماته، و التثقيل لميزانه، والنجاة من النار، والصعود إلى درجات الأبرار. فهنيئاً لمن وفق لها.
***
في اليوم الأول من شهر ذي الحجة الحرام ولد الخليل إبراهيم (عليه السلام). وقد تقدم أنه ولد بتاريخ 26/ 11، قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾([2]). ومعنى الخليل: الصديق. وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إن الله سبحانه إنما اتخذ ابراهيم خليلاً لطاعته له، ولمسارعته إلى رضاه، لا لحاجة منه سبحانه إلى خلقه».
وعنه (عليه السلام) أنه قال: «إنما اتخذ الله إبراهيم خليلاً؛ لأنه لم يرد أحداً، ولم يسأل أحداً غيره».
ومما يؤيد ذلك ما روي أنه (عليه السلام) لما زُجّ بالمنجنيق إلى النار ضجّت الملائكة، ونادوا: «إلهنا وسيدنا، خليلك ورسولك إبراهيم يلقى في النار؟». فقال سبحانه: «إن استعانكم فأعينوه». فأسرعت إليه الملائكة، وفيهم جبرئيل، فقال له: «يا إبراهيم، هل من حاجة؟». فقال له: «أما إليك فلا». قال: «فإلى من؟«. قال: «إلى الله». قال: «فادعه». قال: «يكفيني أني بعينه». فقال جبرئيل: «حقاً على الله أن يتخذك خليلاً». قال تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
***
وفيه استلم علي (عليه السلام) سورة براءة من الخليفة أبي بكر بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخيره بين الذهاب معه أو الرجوع إلى المدينة، فاختار الرجوع إلى المدينة، وسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل حدث فيَّ شيء؟ قال: «ما حدث فيك إلا خير، ولكني أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني».
***
وفي هذا اليوم من سنة 37 من الهجرة ابتدأ القتال بصفّين، واحتل علي (عليه السلام) وأصحابه المشرعة، وكان معاوية قد منعهم من الماء يوماً وليلة، فلما ملكها علي (عليه السلام) أباحها ولم يمنعهم من الماء ولا ساعة واحدة. واستمر القتال بينهم طيلة ذي الحجة، ثم توقفوا عن القتال طيلة المحرم، ثم عادوا إليه في صفر من السنة المذكورة، كما سيأتي إن شاء الله.
***
وفي اليوم الأول من ذي الحجة سنة 126 هجرية توفي بالشام الخليفة الأموي الثاني عشر يزيد بن الوليد بن عبدالملك بن مروان، فكانت مدة ولايته خمسة أشهر وليلتين، وتولى بعده أخوه إبراهيم. فسبحان من لا يزول ملكه.
***
قال الأمين في (الأعيان) وفي مستهل ذي الحجة الحرام من سنة 236 هجرية في خلافة المتوكل العباسي توفي في مدينة سرخس الحسن بن سهل بن عبد الله السرخسي؛ نسبة إلى بلدة سرخس ـ من بلدان خراسان ـ قال: وكان عالي الهمة، رفيع المنزلة، ثاقب الرأي، عاقلاً مدبراً. تولى وزارة المأمون بعد أخيه الفضل بن سهل. وكان جواداً ممدَّحاً، أديباً شاعراً، عارفاً بالنجوم، جامعاً لأسباب الفضل والكمال. وقد ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)([3]).
***
وفي شهر رمضان سنة 210 هجرية تزوّج المأمون ابنته([4]) بوران، قيل: وكان المأمون قد أراد البناء بها ليلة هلال شهر رمضان، وكانت قد طرقتها العادة، فأرسلت إليه: ﴿أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾، ففهم مرادها، وأخر دخوله بها إلى الليلة الثالثة من شهر رمضان. وعد ذلك من فصاحتها وحسن كنايتها. قال ابن خلكان: وقصده بعض الشعراء فأنشده:
تقول حليلتي لما رأتني *** أشد مطيتي من بعد حل
أبعد الفضل ترتحل المطايا *** فقلت نعم إلى الحسن بن سهلِ
أقول: وهو غير الحسن بن سهل النوبختي المتوفى بعد سنة 232 هجرية، والذي كان عارفاً بعلوم الأوائل، ومن مشاهير المنجمين. وآل نوبخت من المعروفين بولاية أهل البيت (عليهم السلام). رحم الله الجميع برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم ـ 1/ 12 ـ من سنة 430 هجرية ـ وكان يوم سبت ـ توفي أبوالحسن علي بن إبراهيم الحوفي النحوي. كان عالماً بالعربية وتفسير القرآن، له تفسير جيد، وله مصنف كبير في النحو، وله كتاب (إعراب القرأن) في عشرة مجلدات، وله غير ذلك من التصانيف الكثيرة. وقد اشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به. رحمه الله برحمته.
***
وفي أوائل هذا الشهر أيضاً من سنة 487 هجرية توفي بالقاهرة بدر الجمالي بن عبد الله أبو النجم أميرالجيوش المصرية، ووالد الملك الأفضل شاهنشاه. أصله من أرمينية، اشتراه جمال الدولة بن عمار، فتربى عنده، ونسب إليه، وتقدم في الخدمة حتى ولي إمارة دمشق للمستنصر الفاطمي ـ صاحب مصر ـ سنة 455 هجرَّية. ثم استدعاه إلى مصر، واستعان به على إطفاء فتنة نشبت هناك، فأخمدها، ووطد له أركان الدولة، فقلده وزارة السيف والقلم، فأصبح حاكماً في دولة المستنصر، ومرجوعاً إليه فيها أكثر من عشرين سنة.
وكان حازماً شديداً على المتمردين، وافر الحرمة. وتوفي في أوائل ذي الحجة سنة 487 هجرية، وعمره نحو (80) سنة، وتوفي بعده المستنصر بأيام؛ فقد كانت وفاته بتاريخ 18/ 12/ 487، كما سيأتي إن شاء الله. رحم الله الجميع برحمته.
***
وفيه من سنة 586 هـ ولد عبدالحميد بن أبي الحديد هبة الله بن محمد المعتزلي، الفاضل الأديب، المؤرخ الحكيم، الشاعر، شارح (نهج البلاغة) لأميرالمؤمنين (عليه السلام)، وصاحب القصائد السبع في مدحه. وكان مذهبه الاعتزال كما أخبر عن نفسه بذلك في قصيدة من قصائده المذكورة المشهورة، فقال مخاطباً لأمير المؤمنين (عليه السلام):
ورأيت دين الاعتزال وأنني *** أهوى لأجلك كل من يتشيَّعُ
فهو معتزلي بشهادته على نفسه، ولكنَّه يهوى من أجل أميرالمؤمنين (عليه السلام) كل من يتشيع له. وقد سجل لأمير المؤمنين (عليه السلام) في شعره ونثره كثيراً من الفضائل المتميزة التي قد يتوقف عن الاعتراف بها إليه بعض شيعته، ومنها فضيلة رد الشمس، فقد قال فيها (رحمه الله):
يا من له ردت ذكاء ولم يَفُزْ *** بنظيرها من قبل الا يوشعُ
وكفضيلة قلع باب خيبر، فقد قال فيها (رحمه الله):
يا قالع الباب الذي عن فتحه *** عجزت أكفُّ أربعون وأربعُ
وله قصيدة غراء في مرثية الحسين (رحمه الله) جاء فيها:
ولقد بكيت لقتل آل محمد *** بالطف حتى كل عضو مدمعُ
عقرت بنات الأعوجية هل درت *** ما يستباح بها وماذا يصنعُ
وحريم آل محمد بين العدا *** نهب تقاسمه اللئام الوُضَّعُ
تلك الظعائن كالإماء متى تسق *** يعنف بهن وبالسياط تقنّعُ
فمصفد في قيده لا يفتدى *** وكريمة تسبى وقرط ينزعُ([5])
إلى آخر القصيدة المذكورة في كتاب (أدب الطف) للسيد جواد شبر، وقد توفي في بغداد بتاريخ سنة 655 هجرية؛ فعمره (69) سنة. رحمه الله برحمته.
***
وجاء في موسوعة (جمال عبد الناصر) الفقهية أن في هذا اليوم ـ 1/ 12/ ـ من سنة 599 هجرية ـ أو في اليوم الذي بعده من السنة المذكورة ـ توفي الفقيه الإمام موفق الدين مفتي العراق إبراهيم بن محمد بن أحمد الطيبي البغدادي الأزجي وله من العمر ما يزيد على أربع وسبعين سنة؛ فقد كان مولده بتاريخ 15 /10/ 525 هجرية. وهو الذي برع في الفقه مذهباً وخلافاً وجدالاً، وأتقن علم الفرائض والحساب، ودرَّس وأفتى، وكتب خطّاً حسناً. وكان من أكابر العدول، وأعيان المفتين المعتمد على فتاويهم، متين الديانة، حسن المعاشرة، طيب المفاكهة. وقد شيعه خلق عظيم، ودفن بباب حرب في بغداد. ومن كتبه النافعة كتاب (الترغيب). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي أوائل هذا الشهر من سنة 1330 هجرية توفي في النجف العلامة الجليل، الشيخ علي بن سعود بن إسماعيل، أبو السعود الذي كان من الأعيان، وأصحاب الشخصيات الممتازة، والصفات البارزة. وكان في أوائل عمره يتعاطى تعليم القرآن، وبعدها هاجر إلى النجف، واشتغل بطلب العلوم الدينية، حتى حضر البحث الخارج. وبعد أن نال مرتبة سامية آب إلى وطنه، وبعد أن كان مسكنه القلعة بالقطيف انتقل إلى قرية أُم الحمام بطلب من أهلها، فشروا له أرضاً، وبنوا له منزلاً يليق بشأنه، وصار عندهم مكرماً معظماً، يقيم لهم الجماعة، وينشر فيهم التعاليم الدينية والأحكام الشرعية. وفي سنة (1330) هجرية سافر إلى العراق، فتوفي بالنجف الأشرف بسبب وقوعه من عربة كان راكباً فيها، ولما وقع منها سحقته فمات. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
__________________
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.