لقمان الحكيم

لقمان الحكيم

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.

كان لقمان الحكيم عبداً مملوكاً فعتق وكان متصفاً بأوصاف كان أثرها أن آتاه الله الحكمة وأصبح سيداً بعد أن كان مسوداً وقد ألممنا بكثير من حياته وما جاء عنه من المواعظ والحكم في كتاب مستقل سميناه باسمه وقد طبع قبل عامين.

فمن تلك الأوصاف الموجبة له تلك المنزلة العالية أنه(ع) كان كثير الصمت إلا في خير ولا يعرف منه غير الهدوء والوقار والسكينة وكان قوياً في أمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم متورعاً في الله مستكيناً إلى جنبه عميق النظر طويل الفكر مستعبراً بالعبر لم ينم نهاراً قط ولم يره أحد من الناس على بول أو غائط أو اغتسال لشدة تستره وعمق نظره وتحفظه في أمره ولم يضحك من شيء مخافة الإثم ولم يغضب قط ولم يفرح بشيء إن أتاه من أمر الدنيا ولم يحزن على شيء فاته منها ولم يبك على شيء ذهب من يده من الدنيا قط حتى على موت أولاده بل كان كثير البكاء من خشية الله ولم يمر برجلين يتخاصمان إلا أصلح بينهما ولم يفارقهما حتى يتحابا ويتوادا وكذا لو مر برجلين يقتتلان لم يمض عنهما حتى يتحاجزا ولم يسمع من أحد قولاً استحسنه إلا سأله عنه وعن تفسيره وعمن أخذه وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله عز وجل وطمأنينتهم في ذلك ويتعلم ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان وكان يداوي قلبه بالفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يتكلم إلا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة حيث أمر الله سبحانه وتعالى طوائف من الملائكة أن تناديه وتوحي إليه أن الله تبارك وتعالى اختاره خليفة في الأرض يحكم بين الناس بالحق وقد كان ذلك عند انتصاف النهار ووقت القائلة لما هدأت العيون ونامت الأبصار حيث كان الوقت صائفاً وكان مما نادته به حيث يسمع ولا يرى: «يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس» فكان الجواب منه أن خيرني ربي قبلت العافية وإن أمرني الله عز وجل وعزم عليّ فالسمع والطاعة لأنه إن فعل ذلك بي أعانني عليه وعصمني وعلمني فقالت له الملائكة لم قلت ذلك قال لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدنيا وأكثر فتناً وبلاء لما يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان فصاحبه فيه بين أمرين إن أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم وإن أخطأ، أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلاً وضيعاً كان أهون عليه في المعاد أن يكون سرياً شريفاً ومن اختار الدنيا على الآخرة خسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك فتعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه.

فلما أمسى المساء وأخذ لقمان مضجعه من الليل أنزل الله تعالى عليه الحكمة وغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطي بالحكمة غطاء استيقظ منه فلما استيقظ من نومه وإذا هو احكم الناس وخرج عليهم ينطق بالحكمة فكل من سمع كلامه أثبتها فيه فاشتهر أمره وشاع ذكره فكان الطبيب المداوي للقلوب والأب الروحاني لكل من اتصل به وعمت إفاداته كثيراً من الناس فكان الهداة من أهل زمانه يأتون إليه فيستفيدون منه ويأنسون بمنطقه ويستريحون بحديثه فيكثرون من أجل ذلك مجالسته، ولا بدع فإنه المحي للقلوب.

قيل له ذات يوم ألست عبداً لآل فلان قال بلى قال فما بلغ بك ما أرى فقال صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعني وغضي بصري وكفى لساني وعفتي في بطني وطعمتي فمن نقص عن هذا فهو دوني ومن زاد عليه فهو فوقي ومن عمله فهو مثلي.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top