خطبة الجمعة 11/ 1432هـ – دور المعرفة في تنمية الوعي الديني

خطبة الجمعة 11/ 1432هـ – دور المعرفة في تنمية الوعي الديني

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على حبيب قلوب العالمين، سيد الأنبياء والمرسلين، الهادي الأمين، نبينا محمد وآله الطاهرين، اللهم وصل على سادة أنوار الأمة وضياء سرج الظلمة، وحماة الدين وأمناء رب العالمين، وحفظة الكتاب المبين، وورثة سيد المرسلين.

قال تعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالمائدة:35.

   الآية الكريمة من آيات السير والسلوك إلى الله سبحانه، وهو الأمر الذي يقوّي الروابط بين العبد وربه، فقد أمر سبحانه بابتغاء الوسيلة إليه سبحانه والإعراض عن غيره، وهو من شؤون العبودية الحقيقية، وقد حفته الآية الكريمة بأمرين مهمين:

   الأمر الأول: التقوى.

   الأمر الثاني: الجهاد في سبيل الله.

   ولا ريب أن طلب الزلفى إليه سبحانه يحتاج إلى مقدمات:

   المقدمة الأولى: تزكية النفس من رذائل الأخلاق.

   المقدمة الثانية: تحلية النفس بالفضائل ومكارم الأخلاق والصفات الحميدة.

   المقدمة الثالثة: الجهاد في سبيله سبحانه، وهو أمر يحتاج إلى الصبر والتحمل والمثابرة.

   كما ترشدنا الآية الكريمة إلى أن المؤمن لابد له من مراحل ثلاث:

   المرحلة الأولى: مرحلة الشريعة التي يأخذ منها تعاليمه الحياتية. قال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُآل عمران: 85.

   المرحلة الثانية: المرحلة الحقيقة التي يمارس فيها دوره كعبد لله تعالى.قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَالبينة: 5.

   المرحلة الثالثة: مرحلة الفيض الإلهي التي تتجلى فيها عناية الله جل وعلا بعبده السالك سبيل معرفته.

      فإذا التزم بالشريعة وتوجه إلى الله سبحانه بالوسيلة، وحصل عنده:

    أولاً: اشتياق نفسه إلى ربه.

    ثانياً: انشغل بمجاهدة النفس وتزكيتها، حقق أول ثمار هذه المرحلة المهمة

   أولاً:  الزهد في الدنيا.

   ثانياً: مخالفة الهوى وتطهير النفس من الحجب والموانع.

   ثالثاً: التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، ومن خرق عوائد نفسه تحقق سيره ووصوله إلى الله سبحانه، وهو ما يعرف بحب الله وابتغاء الوسيلة إليه، وبعد هذا سهل عليه العروج إلى عالم الجبروت، وحاز على درجة الفلاح التي وعد الله سبحانه بها السالكين والعارفين لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

   ونحن في ذكرى واحد من أعظم العارفين الذي تحققت على يده واحدة من أكبر معجزات العصر، وهو إقامة حكم الله سبحانه وإحياء دينه، نحيي ذكراه بالذكر الجميل والإطراء الحسن، عسى الله أن ينفعنا به في الدنيا والآخرة.

   مميزات شخصية السيد الإمام

   ومن مميزات هذه الشخصية العظيمة في الجانب الفقهي:

   أولاً: تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كانت الظروف.

   ثانياً: تطبيق ولاية الفقيه بشكل عملي، وبناء أول حكومة قائمة على هذا المبدأ. متوليا قيادتها الأمر الذي لم يكن متعارفا في ما مضى، كما كان ذلك في عهد الصفويين الذين كان يحكم بعضهم بإجازة الفقهاء وتوجيههم.

  ولذلك لم يرق للبعض ذلك. يقول الشيخ مهدوي كني، كان بازركان يقول بعد الثورة للعلماء: انتهى دوركم وتوجهوا إلى محاريبكم. فقلت له: أنسيت إنك كنت تقول سابقا أين دوركم في حركة الأمة؟ نعم لقد جاء دورنا الآن وعلينا أن نعمل.

   ثالثاً: التأكيد على المشتركات بين كافة المسلمين، من أجل وحدة إسلامية حقيقية، كما قال رحمه الله: كان رسول الله (ص) يريد أن يوحد كلمة العالم وأن يخضع العالم كله إلى كلمة واحدة وهي كلمة التوحيد.

   أيها الأخوة، إن هذا ما وجهنا إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواآل عمران 103. وقال تعالى: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْالأنفال 46.

   ولا شك إن هذه الدعوة هي شمس العقل المشرقة، وأنواره المضيئة، التي تكشف عن ضرورة الإتحاد ومضرة الاختلاف، فإن داء المسلمين في تفرقهم واختلافهم، ودوائهم في اتفاقهم ووحدتهم، وما كلمة التوحيد إلا توحيد الكلمة.

   لقد أدرك السيد الإمام عليه الرحمة، كل هذا من أول وهلة؛ ولذالك دعا إلى ما دعا إليه أهل بيت النبوة من ضرورة نبذ الخلاف ووحدة الصف والكلمة.

   إن من أول ما دعا إليه رحمه الله أن قرب بين الجامعة على مختلف أطيافها والحوزة الدينية المباركة، بضرورة الوحدة بينهما، وما كان ذلك إلا للنهوض بطلبة العلم إلى المستوى الأفضل، لما فيه من ارتقاء الوعي الديني، الذي تتحقق به الثمار العالية التي تعود بالنفع على الجميع. حيث إن الارتقاء التوعوي الديني يساعد على تحصين الفرد من الوقوع في وحل الرذيلة والانحراف، ويساعد على اكتساب أسمى الصفات الطيبة التي من أهمها:

   أولاً: إنارة العقل. حيث إن الواعي يستطيع أن يقيّم أفكاره بشكل صحيح، فيبتعد عن الهمجية والغوغائية التي همها الفتن والفوضى والضلال والانحراف عن الحق. يقول علي (ع): (إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضيائهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى)

   ثانياً: المنازل الطيبة. التي أعدها الله لهذه الفئة التي طهرت قلوبها من شوائب الهوى والجهل. قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًالنحل: 97. وشرط سبحانه الإيمان؛ لأنه يوجه الإنسان نحو فوائد كثيرة

   منها: عمل الخير والتحلي بالقيم النبيلة التي تحفظ ذكر الإنسان بالخير في حياته وبعد مماته.

   ومنها: الإيمان بحفظ نفس الإنسان من الهلكة والانجرار وراء الدنيا الفانية.

   ومنها: تنمية الوازع الذاتي في داخل الإنسان حيث يشعر برقابة الله له في جميع حركاته وسكونه. حتى يصون نفسه وعلاقته بالآخرين. قال سبحانه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِإبراهيم: 27. وبهذا يستطيع أن يعيش بطمأنينة بعيدا عن القلق والاضطراب.

   ثالثاً: توجيه النوايا إلى ما يرضي الله تعالى وعدم الاغترار بالدنيا الفانية. فلن ينفع الإنسان إلا صدقه مع الله تعالى، قال سبحانه: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا هذا هو موقف الواعين الذين خاضوا مع السيد الإمام رحمه الله طريقه الصعب، وخياره الذي سار عليه، قال علي (ع): (إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها،ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة).

   فإلى جنة الخلد أيه العارف بالله، يا من بعت الدنيا واشتريت الآخرة، فسار على نهجك العارفون والمجاهدون، حميت الإسلام فخلدك السلام، وغرست بذرة الثورة على الظلم فلبتك حناجر وأرواح المظلومين، ولازالت أنفاسك يتغنى بها المحرومون في كل زمان ومكان. وكفاك فخرا إنك السيد الإمام.

يا بلاد الإسلام

نفخ الصور عصبة شرفاء * فتنادى لصوته الأوصياء

أذن الفجر في مآذن قوم * جاء صبح يؤمه الأتقياء

هزنا يا ربوع قومي مجد * من ثلاثين سادة كرماء

حين خلى شاه الصهاين قزما * سيد تاج رأسه السوداء

ما ثناه عن ثورة كبر سن * ما توانى وهكذا العلماء

أخوة الدين والضحى مستنير * بعلي وسره الزهراء

والهدى أحمد بهدي كتاب * فيه وحي أنواره الأنبياء

وبكف الكرام سيف إمام * إن أبى السلم طغمة أشقياء

لا يذل الشباب فاليوم نصر * إيه هيهات إنها كربلاء

راح عصر الخنوع والذل ولى * جاء عصر يقوده الشرفاء

غردي يا طيور فاليوم رقص * وطبول والقارع الفقراء

بعد خير الدعاء ينكشف الكرب * ويجلى ويستجاب الدعاء

أيه الظامئون قدما إلى النهر * خضاب السيوف منا الدماء

شهد عز الأحرار أحلى مذاقا * ولآل الهدى يكون الولاء

وطغاة الزمان خزي وعار * كيف نرضى روادنا السفهاء

كيف يرقى على المنابر رجس * وعلينا تأمر الفحشاء

يا بلاد الإسلام مهرك عز * وفخار والقادة الأمناء

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top