حدث في مثل هذا اليوم (9 ربيع الأوّل)

حدث في مثل هذا اليوم (9 ربيع الأوّل)

في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول سنة 66 هـ قتل عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السلام) بأمر المختار بن أبي عبيدة الثقفي. قالوا: وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي أكرم الناس على المختار؛ لقرابته من علي (عليه السلام)؛ لأن اُمَّه أمّ هاني بنت أبي طالب اُخت علي (عليه السلام)، فكلمه عمر بن سعد أن يأخذ له أماناً من المختار، ففعل، وكتب له: هذا أمان من المختار بن أبي عبيدة الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص: إنك في أمان الله على نفسك وأهلك ومالك وولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت منزلك إلّا أن تحدث حدثاً. فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد فلا يعرض له إلّا بسبيل خير، والسلام. ثم اُشهد فيه جماعة ودفعه إليه([1]).

قال الباقر (عليه السلام): «وإنما قصد المختار بقوله: إلّا أن تحدث حدثاً، يعني: إلّا أن يدخل بيت الخلاء ويحدث»([2]).

ولما لم يعجّل عليه، وقربه وأكرمه، عتب عليه من أجل ذلك محمد بن الحنفية وقال: يزعم المختار أنه لنا شيعة، وقتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثهم ويحدثونه؟ فلما بلغه عتب محمد عليه عزم على قتل ابن سعد، وقال: لأقتلن رجلاً عظيم القدمين، غائر العينين، مشرف الحاجبين، يسرّ قتله المؤمنين والملائكة المقربين. وكان عنده الهيثم بن الأسود النخعي، فعلم أنه يعني عمر بن سعد، فأرسل إليه ولده العريان يخبره بذلك، فعزم على الخروج من الكوفة، وبعد أن خرج ووصل إلى حمام عمر أو نهر عبد الرحمن قال له مولاه: وأي حدث أعظم مما صنعت؟ ارجع، ولا تجعل له عليك سبيلاً. فرجع، وبلغ المختار خروجه فقال: وفينا له وغدر، ونشط على قتله.

ولما رجع ابن سعد إلى الكوفة أرسل ولده حفصاً إلى المختار، فسأله المختار عن أبيه، فقال له: إنه في المنزل، فأرسل إليه كيسان التمار فضرب عنقه وجاء برأسه وطرحه بين يدي المختار، فقال المختار لحفص: أتعرف رأس من هذا؟ قال: نعم، رأس أبي ولا خير في العيش بعده. فقال: إنك لا تعيش بعده. وأمر به فضربت عنقه. وجيء برأسه، وقال المختار: عمر بن بن سعد بالحسين (عليه السلام)، وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء؛ والله لو قتلت ثلاثة أرباع أهل الأرض لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين (عليه السلام).

قالوا: وأرسل المختار رأس ابن سعد ورأس ولده إلى محمد بن الحنفية بمكة مع مسافر بن سعد الهمداني، أو ظبيان بن عمارة التميمي، فلما رأى ابن الحنفية الرأسين خرّ ساجداً ثم، بسط كفيه بالدعاء وقال: اللهم لا تنس للمختار هذا اليوم، وأجزه عن أهل بيت نبيك خير الجزاء، فوالله ما على المختار هذا من عتب، ألا لعنة الله على الظالمين([3]).

وسيأتي الكلام عن المختار في يوم شهادته 14/ 9. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من الشهر المذكور من سنة 260 هجرية بدأت إمامة الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ومن أجل هاتين المناسبتين: وهما مناسبة قتل عمر بن سعد كما تقدم، ومناسبة جلوس الإمام الحجة المنتظر# في مقام الإمامة بعد أبيه (عليه السلام) يعتبر الشيعة هذا اليوم يوم فرح وسرور، على ما جرت به العادة بين الشعوب والدول، فإنهم يتخذون يوم جلوس ملكهم الذي هم في عهده يوم فرح وسرور، بل يوم عيد، وليس عند الشيعة في فرحتهم هذا اليوم المبارك شيء غير هذا. وهم منذ زمن بعيد ولا يزالون يتطايبون ويتمازحون في هذا اليوم بالمزاح المؤدب الذي لا إثم فيه؛ فرحاً بهاتين المناسبتين.

وقد روي أن بعض طلبة العلوم الدينية أرادوا ممازحة أستاذهم الكبير في ذلك اليوم، فألحوا عليه ألّا يمتنع عن الدرس في ذلك اليوم، وكان من عادته أن يعطل الدرس فيه فرحاً بتينك المناسبتين المذكورتين، فلما رأى إلحاحهم وإصرارهم على ذلك أجابهم إلى ما أرادوه، فلما صعد المنبر وشرع في الكلمات الاُولى قام التلاميذ كلهم وخرجوا إلى ساحة المدرسة وهم يضحكون. فانتبه الشيخ، وعلم أنهم أرادوا مطايبته، فنزل وخرج إليهم وجعل يضحك معهم، ثم قال لهم: أنتم الآن فعلتم ما أحببتم، وطالما نحن مجتمعون فلا تفوّتوا الفرصة. فوافقوا، وعادوا إلى قاعة التدريس، وصعد المنبر، فلما هيؤوا أنفسهم لسماع البحث، وأعدوا أوراقهم وأقلامهم، نزل من على المنبر وقال: واحدة بواحدة. وتفرقوا وهم مأنوسون بهذه النكات الطيبة، أدام الله للمؤمنين أفراحهم؛ إنه سميع مجيب.

***

وفي هذا اليوم 9/ 3 من سنة 562 هجرية توفي بمصر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني المقري الأديب الشافعي المصري المعروف بـ «ابن الكيزاني»؛ نسبه إلى عمر الكيزان الشاعر المشهور. كان زاهداً ورعاً، وبمصر طائفة ينسبون إليه، ويعتقدون مقالته. وله ديوان شعر فيه أشياء حسنة، وأكثره في الزهد. قال ابن خلكان: ولم أقف على ديوانه، ولم أسمع له إلّا بيتاً واحداً، وهو:

وإذا لاقَ بالمحب غرام *** فكذا الوصل بالحبيب يليقُ([4])

وقد دفن بالقرب من قبة الإمام الشافعي (رحمه الله)، ثم نقل إلى سفح المقطم بقرب الحوض المعروف بـ «أم مودود»، وقبره مشهور هناك يزار. قال ابن خلكان: وقد زرته مراراً([5]). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي اليوم 9 /3/ 1304 هجرية توفي أمير شعراء الحسين (عليه السلام) السيد حيدر ابن السيد سليمان ابن السيد داود الحسيني الحلي المولود 15/ 8/ 1246 هجرية. وقد فقد والده& قبل أن يكمل السنتين، فتزوج بأمه عمه السيد مهدي ابن السيد داود الحلي المولود سنة 1223، والمتوفى بتاريخ 4/ 1/ 1288، ورباه تربية صالحه، واعتنى به عناية فائقة، وأحله محلّ الأولاد المكرمين حتى إنه جعله ثالث ولديه في ميراثه؛ ولذا فقد رثاه بعد موته بمرثيته الملتهبة بالوجد والأسى لفقده، وقد قال فيها (رحمه الله):

أظبا الردى انصلتي وهاك وريدي *** ذهب الزمان بعدّتي وعديدي
نشبت سهام النائبات بمقلتي *** فلحفظ ماذا أتقي عن جيدي
طرقتنيَ الدنيا بأي ملمة *** ذهبت علي بطارفي وتليدي
الآن أصبح للنوائب جانبي *** غرضاً وشمل قواي للتبديدِ
فأنا الفداء لمن نشأت بظله *** والدهر يرمقني بعين حسودِ
مازلت وهو علي أحنى من أبي *** بألذ عيش في حماه رغيدِ
حتى رماني في صبيحة نعيه *** أرسى بداهية علي كؤودِ
ما لي وللأيام قوض صرفُها
*** عني عمادَ رواقي الممدودِ

ولعل الناس في غنى عن التحدث عن شاعرية السَّيد حيدر الحلي؛ لما سمعوه ووعوه من شعره، ولا سيما في مراثي جده الحسين (عليه السلام)، وأشهرها حولياته التي خلدته خلوداً بقي مع الزمن. وهي 23 حولية، وقد اشتهر عنه أنه رأى جدته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فلما سلَّم عليها ردت عليه السلام وقالت له:

أناعيَ قتلى الطف لا زلت ناعياً *** تهيج على طول الليالي البواكيا

فانتبه وهو يبكي، وجعل يرد هذا البيت إلى أن فتح الله قريحته فقال:

أعد ذكرهم في كربلا إن ذكرهم *** طوى جزعاً طيّ السجلّ فؤاديا

إلى آخر القصيدة التي تحتوي على 30 بيتاً. وقد أوصى أن تكتب وتوضع معه في كفنه، وكان موته& في بلدة الحلة، ولكنه حمل إلى النجف في موكب رهيب، وأمر السيد الميرزا حسن الشيرازي المتوفى بتاريخ 24 /8/ 1312 هـ، فعطلت الحوزات والأسواق، وشيَّعته الآلاف من الناس على الرغم من هطول الأمطار الغزيرة، ودفن في صحن الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) في أول الساباط من جهة الشمال. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 9 /3/ 1349 هجرية ولد آية الله العظمى، والمرجع الديني الأعلى رجل السَّلام في بداية القرن الحادي والعشرين السيد علي السيستاني (مد ظله ودامت بركاته) الذي بذل جهوداً واسعة للحيلولة دون اشتعال فتيل الحرب بين الشيعة والسنة في العراق، كما أنه دعا الشيعة للتعاطي مع السلفيين والسنة انطلاقاً من المنطق والعقل والصبر، حتى رشحه الكاتب الشهير «فريدمن» الأمريكي إلى إحراز جائزة نوبل للسلام. وكتب المحلل السياسي السعودي مساعد رئيس تحرير مجلة (أخبار العرب) الناطقة باللغة الانكليزية (جمال الخاشقجي) بكل شجاعة: إنني لا أرحب باقتراح «فريدمن» فحسب، بل سأرشح المرجع السيستاني لإحراز جائزة الدعوة للتضامن الإسلامي التي خصّصها الملك فيصل ـ أي فيصل بن عبد العزيز آل سعود المستشهد بتاريخ 12 /3/ 1395 هجرية ـ لمن يخدم الإسلام. حفظ الله سيدنا وأبقاه، وأيده وكفاه.

_________________________

([1]) ذوب النضار: 126 ـ 127.

([2]) ذوب النضار: 127.

([3]) ذوب النضار: 129.

([4]) وفيات الأعيان 4: 461 ـ 462.

([5]) وفيات الأعيان 4: 462.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top