حدث في مثل هذا اليوم (12 ذي القعدة)
في اليوم الثاني عشر ـ أو الثالث عشر ـ من شهر ذي القعدة سنة 5 من الهجرة حاصر النبي (صلى الله عليه وآله) يهود بني قريظة؛ ليعاقبهم على ما فعلوه من نقض العهد، والتواطؤ مع قريش، بأن يلتقوا بالمسلمين في المعركة من أمامهم حتى ينزلوا عليهم هم من ورائهم. وهذا التواطؤ هو الذي أرعب قلوب المسلمين، قال تعالى: ﴿إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾([1]).
فلما ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً﴾([2])، ورجع النبي (صلى الله عليه وآله) بأصحابه إلى المدينة، ودخل دار بعض زوجاته ليغتسل، إذا بجبرئيل يناديه: «عذيرك من محارب، ما ألقت الملائكة لامتها، فكيف ألقيت لامتك؟ ألا لا يصلي أحد العصر إلّا في بني قريظة».
فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) من منزله، وأمر مناديه فنادى: «ألا لا يصلِّ أحد العصر إلّا في بني قريظة». وأمر عليا (عليه السلام) أن يتقدم بالراية، فخف بها علي (عليه السلام)، وخف المسلمون خلفه، وجاء حتى ركز الراية عند حصن بني قريظة، وأقبل الرسول (صلى الله عليه وآله) ببقية المسلمين، فحاصروا اليهود خمساً وعشرين ليلة، وهم يأبون أن ينزلوا على حكمه (صلى الله عليه وآله)، وطلبوا منه أن يعاملهم معاملة من سبقهم من يهود بني النضير وبني قينقاع، وذلك بأن يخلوا له الدار والعقار، ويخرجوا بأنفسهم وأهليهم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يأبى إلّا أن ينزلوا على حكمه.
قال ابن هشام: حدثني من أثق به أن علياً (عليه السلام) صاح بالمسلمين، وبنو قريظة يسمعون صوته: «يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ماذاق حمزة، أو لاقتحمن على هؤلاء حصنهم». فلما سمعوا ذلك دخل الرعب في قلوبهم، وتزلزلت أقدامهم، فأرسلوا الى النبي (صلى الله عليه وآله) أنهم سينزلون على حكمه على شرط أن يكون الحاكم في أمرهم حليفهم سعد بن معاذ فرضي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك.
وحكم سعد بقتل الرجال، وسبي النساء والذرية فنفذ الحكم، وانتهى تاريخ اليهود بالمدينة وإلى الأبد إن شاء الله، وسينتهي تاريخهم من فلسطين إن شاء الله وليس ذلك على الله بعزيز.
***
في هذا اليوم أو الذي بعده سنة 169 خرج الحسين بن علي بن الحسن المثلث بالمدينة المنورة، وكان سبب ذلك أن موسى الهادي العباسي ولّى على المدينة في تلك الأيام عمر بن عبد العزيز بن عبد الله الثاني بن عبد الله الأول بن عمر بن الخطاب وأوصاه بالتشديد على العلويين؛ لما في قلبه من الخوف منهم؛ لميل الناس إليهم. فعمل العمري ما اُوصي به، وزاد على ذلك حتى طالبهم بالعرض كل يوم، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه وقريبه، فكفل الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن الحسنُ بن محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية ـ الذي قتل في زمان المنصور سنة 145 ـ ثم لم يقتنع بذلك حتى أخذ الحسن هذا، وابن جندب الهذلي الشاعر، وعمر بن سلام مولى آل عمر ـ وهم مجتمعون ـ فأشاع عليهم أنه وجدهم على شراب، وضرب الحسن ثمانين سوطاً، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطاً، وضرب مولى آل عمر سبعة أسواط، ثم أمر أن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور؛ ليفضحهم، فمشى إليه الحسين بن علي المذكور، فكلمه فيهم، وطلب منه عدم التشهير بهم، فكفّ عن تشهيرهم، وسجنهم يوماً وليلة، ثم كلمه الحسين فيهم أيضاً، فأطلقهم.
ثم لما حضرو إلى العرض عليه فقد الحسن بن محمد، فطالب الحسين ويحيى بن عبد الله به؛ لأنهما كفيلاه ـ كما تقدم ـ وسألهما عنه، فقالا: لا علم لنا به. فأغلظ لهما القول، فحلف يحيى بن عبد الله ألّا ينام حتى يأتيه به، أو يضرب عليه باب داره حتى يعلم أنه قد جاءه.
فرضي بذلك، وأشهد على يحيى، وصرفهم من عرضهم عليه. فلما خرجا، قال له الحسين: ما دعاك إلى هذا؟ وأين تجد حسناً؟ حلفت له بشيء لا تقدر عليه. فقال: إني لم أرد أن آتيه بالحسن، وإنما أردت ألّا أنام حتى أضرب عليه باب داره بالسيف؛ فإن قدرت عليه قتلته. فقال له الحسين: إنك تكسر علينا بهذا أمرنا الذي بيننا وبين أصحابنا، وقد واعدناهم أن نخرج بمكة أيام الموسم.
فقال وكيف أكسر عليك أمرك، وليس بيننا وبين الذهاب إلى مكة إلا عشرة أيام؟
ولما صار الليل تجمعوا ـ وكان عددهم ستة وعشرين رجلاً من ولد علي (عليه السلام)، وفيهم الحسن الذي أراد العمري من يحيى أن يحضره إليه، وفيهم عشرة من الحاجّ، ونفر من الموالي ـ ولما قرب وقت الصبح جاء يحيى حتى ضرب عليه باب داره، فأحسّ بالشر، فلم يجبه، وتوارى عنه، فجاؤوا حتى دخلوا المسجد، وقالوا للمؤذن: أذن بـ«ـحي على خير العمل». ونظر إلى السيوف معهم، فأذن بها خوفاً منهم، فلما سمعه العمري، أحسّ بالشر، ودهش وقال: اغلقوا البغلة ـ يعني الباب ـ وعلي بحبتي ماء ـ يعني بشربة ماء ـ ثم اقتحم الدار المجاورة إلى داره، وخرج إلى زقاق عاصم، ومضى هارباً على وجهه، فصلى الحسين بالناس، ودعا يحيى بالشهود الذين أشهدهم عليه العمري، وقال لهم: هذا الحسن قد جئت به، فهاتوا العمري وإلّا فقد خرجت من يميني([3]).
وصعد الحسين المنبر، وخطب الناس وقال ـ فيما قال ـ: «أيها الناس، أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فبايعه الناس للرضا من آل محمد على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وقاومهم جماعة من أنصار الدولة العباسية فلم يفلحوا، وأقام الحسين بالمدينة بعد إعلان الخروج أحد عشر يوماً، ثم خرج منها لست بقين من ذي القعدة سنة 169 هجرية متوجهاً إلى مكة([4]).
وفي أثناء هذه الأيام قدم المدينة مبارك التركي ـ أحد قواد الدولة العباسية، ومعه جماعة من جيش بني العباس، جاء بهم لحماية الموسم، فبلغه خبر الحسين قبل وصوله إلى المدينة، فأرسل إليه والله: لأن اسقط من السماء فتخطفني الطير، أو تهوي بي الريح من مكان سحيق أيسر علي من أن أشوكك بشوكة، أو أقطع من رأسك شعرة، ولكن لابد من الإعذار، فبيتني فإني منهزم عنك.
وأعطاه بذلك عهد الله وميثاقه، ففعل الحسين ذلك، ووجه إليه قوماً من أصحابه، فجعجعوا بمبارك، وصيحوا في نواحي عسكره، فانهزم بجيشه حتى دخل مكة، وبلغ الهادي أن مباركاً قد انهزم، فغضب عليه، وأخذ أمواله، وجعله سائساً للدواب، فبقي كذلك حتى هلك الهادي العباسي([5]).
وسيأتي الكلام على بقية القصة بتاريخ 24/ 11 إن شاء الله تعالى.
***
وفي هذا اليوم من سنة 776 هجرية توفي الشيخ الأجل أبوجعفر محمد بن محمد المعروف بقطب الدين الرازي البويهي الشيعي صاحب (شرح الشمسية)، و(شرح المطالع)، و(شرح القواعد)، و(المحاكمات)، وغير ذلك من الكتب النافعة. وهو من تلامذة العلّامة الحلي (طاب ثراه). وقد نقل عن الشهيد الأول محمد بن مكي ـ المستشهد بتاريخ 9/ 5/ 786 هجرية ـ قال: اتفق اجتماعي به ـ أي بالقطب الرازي رحمه الله ـ بدمشق في اُخريات شعبان من سنة 776 هجرية، فإذا هو بحر لا ينزف، وأجازني جميع ما يجوز عنه روايته. ثم توفي في 12/ 11 من السنة المذكورة ـ وهي سنة 776 هـ ـ وكان إمامي المذهب. رحمه الله برحمته.
فُضّ فو الناعي أيدري من نعا *** ليته أبكم أو لن أسمعا
قد نعى الواحد لكن كلنا *** فلنمت لاجزعاً بل تبعا
أفهل يُعقل للظل بقا *** والذي قام به قد رفعا
أيها الناعي دع النعي فقد *** راح قلب الدين منه قطعا
أو تدري نسبة الدين له *** كان للدين الدعام الأرفعا([6])
إلى آخر القصيدة المذكورة كتاب (الأزهار الأرجية) للشيخ فرج العمران. رحم الله الجميع برحمته.
***
وفيه من سنة 1324 هـ توفي الشيخ إبراهيم اليازجي ابن الأديب العربي ناصيف اليازجي. ترجم له الزركلي في كتاب (الأعلام). رحمه الله برحمته.
______________
([3]) مقاتل الطالبيين: 294 ـ 297.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.