المواعظ والحكم
قال الله تبارك وتعالى: ]وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ[.
وقال تعالى: ]وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ[.
وقد مرّ بيان ذلك، فالمواعظ والحكم الواردة عن لقمان الحكيم كثيرة جداً وقد عرفت سابقاً قوله: إني تعلَّمت سبعة آلاف من الحكمة. غير أنه قد لا يوجد منها سبعمائة لتفرقها في مضامين الكتب وبطون الأسفار، ولعل ما استأثر به الإهمال أكثر، وعلى كلٍّ فقد جمعت ما وسعني جمعه تذكرة لمن ادكر، وذخراً ليوم المحشر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والله ولي التوفيق.
قال u: يا بني، اقبل وصية الوالد الشفيق.
يا بني، لئن تُعرف بالخير فيحبك من لم يصل معروفك إليه، خير لك من أن تعرف بالشر فيخشاك من لم تصل إسائتك إليه، كالحية والعقرب يقتلهما من لم يؤذياه.
يا بني، ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة:
1- لا يعرف الشجاع إلا في الحرب.
2- ولا الحليم إلا عند الغضب.
3- ولا أخوك إلا عند حاجتك إليه.
يا بني، شيئان إذا أنت حفظتهما لا تبالي بما صنعت بعدهما: دينك لمعادك، ودرهمك لمعاشك.
يا بني، عليك بما يعنيك ودع ما لا يعنيك، فإن القليل منها يكفيك، والكثير منها لا يغنيك.
يا بني لا تؤثرنَّ على نفسك سواها، ولا تورث مالك أعداءك.
يا بني، إنه قد أحصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير.
يا بني، اتق النظر إلى ما لا تملكه، وأطل التفكر في ملكوت السماوات والأرض والجبال وما خلق الله، فكفى بهذا واعظاً لقلبك.
يا بني، بادر بعملك قبل أن يحضر أجلك، وقبل أن تسير الجبال سيراًـ وتجمع الشمس والقمر، وتغيَّر السماء وتطوين وتنزل الملائكة صفوفاً خائفين حافين مشفقين، وتكلَّف أن تجوز الصراط، وتعاين حينئذ عملك، وتوضع الموازين وتنشر الدواوين.
يا بني، أقم الصلاة فإنها في دين الله كمثل عمود الفسطاط، فإن العمود إذا استقام نفعت الأطناب والأوتاد والظلال، وإن لم يستقم لم ينفع طنب ولا وتد ولا ظل.
يا بني، إن لكل قوم كلب فلا تكن كلب قومك.
يا بني، نقلت الصخر وحملت الحديد فلم أرَ شيئاً أثقل من الدَّين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أرَ ألذ من العافية.
يا بني، إياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حق، وإياك وصاحب السوء فإنه كالسيف المسلول يعجبك منظره ويقبح أثره.
يا بني، إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره.
يا بني، إني ذقت الصبر وأنواع المر فلم أرَ أمر من الفقر، فإن افتقرت فاجعل فقرك بينك وبين الله، ولا تحدِّث الناس بفقرك فتهون عليهم.
يا بني، سل الله من فضله، ثم سل في الناس: هل من أحد دعا الله فلم يجبه أو سأله فلم يعطه؟
يا بني، ثق بالله العظيم عز وجل، ثم سل في الناس: هل من أحد أوثق بالله فلم ينجه؟
يا بني، توكل على الله، ثم سل في الناس: هل من أحد توكل على الله فلم يكفه؟
يا بني، أحسن الظن بالله، ثم سل في الناس: هل من أحد أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به؟
يا بني، تعلَّم الحكمة، فإن الحكمة تدل على الدِّين، وتشرِّف العبد على الحر، وترفع الفقير على الغني، وتقدم الصغير على الكبير، وتجلس المسكين مجالس الملوك، وتزيد الشريف شرفاً والسيد سؤدداً والغني مجداً، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيأ له أمر دينه ومعاشه بغير حكمة؟ ولن يهيئ الله عز وجل أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة، ومثل الحكمة بغير طاعة كمثل الجسد بلا روح، أو مثل الصعيد بلا ماء، ولا صلاح للجسد بلا روح، ولا للصعيد بغير الماء، ولا للحكمة بغير طاعة.
يا بني، من ذا الذي فزع إلى الله فلم يجده؟ ومن ذا الذي التجأ إلى الله فلم يدفع عنه؟ أم من ذا الذي توكل عليه فلم يكفه؟
يا بني، أحسن إلى من أساء إليك، ولا تكثر من الدنيا فإنك على غفلة أو رحلة عنها، وانظر إلى ما يصير منها.
يا بني، لا تأكل مال اليتيم فتفتضح يوم القيامة وتكلَّف أن ترده إليه.
يا بني، لو أنه أغنى أحد عن أحد لأغنى الوالد عن ولده.
يا بني، إن النار تحيط بالعالمين كلهم فلا ينجو منها إلا من رحمه الله وقربه منه.
يا بني، لا يغرنك خبيث اللسان، فإنه يُختم على لسانه وتتكلم جوارحه وتشهد عليه.
يا بني، لا تشتم الناس فتكون أنت الذي شتمت أباك.
يا بني، لا يعجبك إحسانك ولا تتعظمنّ بعملك الصالح فتهلك.
يا بني، كما تنام كذلك تموت، وكما تستيقظ كذلك تبعث.
يا بني، كذب من قال: إن الشر يطفأ بالشر، فإن كان صادقاً فليوقد نارين هل تطفئ أحدهما الأخرى؟ وإنما يطفأ الشر بالخير.
يا بني، بع دنياك بآخرتك تربحهما معاً، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعاً.
يا بني، اتخذ تقوى الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة.
يا بني، كن أميناً تعش غنياً.
يا بني، إذا أخطأت خطيئة فابعث في أثرها صدقة.
يا بني، إن الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود على الشيخ الكبير.
يا بني، لا ترثِ لمن ظلمته ولكن ارثِ لسوء ما جنيته على نفسك، وإذا دعتك القدرة على ظلم الناس فاذكر قدرة الله عليك.
يا بني، إنه لا يغفر إلا لمن عمل بطاعة الله.
يا بني، من ذا الذي عبد الله فخذله؟ ومن ذا الذي ابتغاه فلم يجده؟ ومن ذا الذي ذكره فلم يذكره؟ ومن ذا الذي توكل عليه فوكله إلى غيره؟ ومن ذا الذي فزع إليه جل ذكره فلم يرحمه؟
يا بني، سيد أخلاق الحكمة دين الله، ومثل الدين كشجرة نابتة، فالإيمان بالله ماؤها، والصلاة عروقها، والزكاة جذعها، والتآخي في الله أغصانها، والأخلاق الحسنة أوراقها، والخروج من معاصي الله ثمرتها، ولا تكمل الشجرة إلا بثمرة طيبة. كذلك الدين لا يكمل بالخروج عن المحارم.
يا بني، عليك بالموعظة فاعمل بها، فإنها عند العاقل أحلى من العسل الشهد، ولا تسمع الملاهي فإنها تنسيك الآخرة، ولكن احضر الجنائز وزر المقابر وتذكر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u: كان مما وعظ به لقمان ابنه أن قال: يا بني ليعتبر مَن قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق، أن الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره وآتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، وأن الله تعالى سيرزقه في الحالة الرابعة:
أما الأولى: فكان في بطن أمه في قرار مكين يرزقه حيث لا يؤذيه حر ولا برد.
وأما الثانية: لما أخرجه من بطن أمه أجرى له رزقاً من لبنها يكفيه به ويربه من غير حول به ولا قوة.
وأما الثالثة: لما فطم من الرضاع أجرى له رزقاً من كسب أبويه رأفة من قلوبهما له، لا يملكان غير ذلك، حتى أنهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة.
وأما الرابعة: إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه وضاق به أمره، ظن الظنون بربه، وجحد الحقوق في ماله، وقتَّر على نفسه وعياله مخافة إقتار رزقٍ وسوء يقين بالخلف بالله تعالى في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني!!
يا بني، إن تك في شك من الموت فادفع عن نفسك النوم، ولن تستطيع أبداً. وإن كنت في شك من البعث فادفع عن نفسك الانتباه، ولن تستطيع ذلك أبداً، فإنك إذا فكرت في ذلك علمت أن نفسك بيد غيرك، وإنما النوم بمنزلة الموت، وإنما اليقظة بمنزلة البعث بعد الموت.
يا بني، لا تقتـرب فيكون أبعد لك، ولا تقرب فتهان، كل دابة تحب مثلها، وابن آدم لا يحب مثله، فلا تنشر برك إلا عند باغيه.
يا بني، لا يستطاع العمل إلا باليقين، ولا يعمل المرء إلا بقدر يقينه، ولا يقصر عامل حتى ينقص يقينه.
يا بني، لا تضع برك إلا عند راعيه، كما ليس بين الكبش والذئب خلَّة كذلك ليس بين البار والفاجر خلَّة.
يا بني، لا تتخذ الجاهل رسولاً، فإن لم تصب عاقلاً حكيماً يكون رسولك، فكن أنت رسول نفسك.
يا بني، من يحب المراء يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن يعاون قرين السوء لا يسلم، ومن لا يملك لسانه يندم.
يا بني، كن عبداً للأخيار، ولا تكن خليلاً للفجار الأشرار.
يا بني، كن أميناً تعش غنياً، ولا تري الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر.
يا بني، لا تطلب من الأمور مدبراً، ولا ترفض منها مقبلاً، فإنه يضل الرأي ويزري بالعقل.
يا بني، إياك والتقنع، فإنه بالنهار شهرة وبالليل ريبة.
يا بني، لا تأمر الناس بالبر وتنسى نفسك، فيكون مثلك كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه.
يا بني،
لا تحقرنَّ من الأمور صغارها |
إن الصغار غداً تكون كبارا |
|
ولعل يحدوك الزمان لحاجة |
عند الصغير فتدحرنَّ صَغارا |
|
فاربأ بنفسك إنها الدنيا فلا |
تبقي لباغيها هناً وقرارا |
يا بني، إياك والكذب فإنه يفسد دينك، وينقص عند الناس مروتك، فعند ذلك يذهب حياؤك وبهاؤك وجاهك، فتهان ولا يسمع منك إذا حدثت ولا تصدق إذا قلت، فلا خير في العيش إذا كان هكذا.
يا بني، إياك وسوء الخلق والضجر وقلة الصبر، فلا يستقيم لك على هذه الخصال صاحب ولا يزال لك من الناس عليها مجانب، وألزم نفسك التودد في أمورك والصبر على مرارات الأحوال، وأحسن مع جميع الناس خلقك فإن من حسن خلقه وأظهر بسطه حظي عند الأبرار، وأحبه الأخيار، وجانبه الفجار.
يا بني، لا تعلِّق نفسك بالهموم، ولا تشغل قلبك بالأحزان، وإياك والطمع، وارض بالقضاء، واقنع بما قسم الله يصفو عيشك، وتسر نفسك، وتستلذ حياتك، وإن أردت أن يجتمع لك غِنى الدنيا فاقطع طمعك عما في أيدي الناس، فما بلغ الأنبياء الصديقون ما بلغوا إلا بقطع طمعهم عما في أيدي الناس.
يا بني، الزم الحكمة تكرم بها، وأعزها تعز بها، وسيد أخلاق الحكمة دين الله عز وجل.
يا بني، لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلاة، ألا تراه يؤذن لكل صلاة في وقتها، وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم.
يا بني، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر الكلام يشتم، ومن
يدخل مداخل السوء يتهم، ومن يصاحب صاحب السوء يسلم، ومن يجالس العلماء يغنم.
يا بني، اجعل غناك في نفسك، وإذا افتقرت فلا تحدِّث الناس بفقرك فتهون عليهم، ولكن سل الله من فضله.
يا بني، ثلاثة تجب مداراتهم عليك: المريض، والسلطان، والمرأة. وكن قانعاً تعش غنياً، وكن متقياً تعش عزيزاً.
يا بني، الظلم ظلمات، ويوم القيامة حسرات.
يا بني، أغنى الناس من قنع بما في يديه، وأفقر الناس من مدَّ عينيه إلى ما في يد الناس.
يا بني، عليك باليأس عما في أيدي الناس، والوثوق بما وعد الله، واسع فيما فرض عليك، ودع السعي فيما ضمن لك، وتوكل على الله في كل أمورك يكفك، وإذا صلَّيت فصلِّ صلاة مودِّع تظن أن لا تبقى بعدها أبداً. وإياك وما تعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير، وأحبب إلى الناس ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ولا تقل ما لا تعلم، واجهد أن يكون اليوم خير لك من أمس، وغداً خير لك من اليوم، فإنه من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شر من أمسه فهو ملعون، وارض بقسم الله لك، فإنه سبحانه يقول: أعظم عبادي ذنباً من لم يرض بقضائي، ولم يشكر على نعمائي، ولم يصبر على بلائي.
يا بني، استصلح الأهلين والإخوان من أهل العلم إن استقاموا لك على الوفاء، واحذر عند انصراف الحال بهم عنك، فإن عداوتهم أشد مضرة عليك من عداوة الأباعد، لتصديق الناس إياهم لاطلاعهم عليك.
يا بني، إياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر، فلا يستقيم لك على هذه الخصال صاحب، وألزم نفسك التوئدة في جميع أمورك، وصبِّر على مؤنات الإخوان نفسك، وحسِّن مع جميع الناس خُلُقك.
يا بني، لئن يضربك الحكيم فيؤدبك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب.
يا بني، إن عدمك ما تصل قرابتك وتتفضل به على إخوانك، فلا يعدمك حسن معاشرتهم والتودد إليهم.
يا بني، احذر الحسد فلا يكن من شأنك، واجتنب سوء الخُلُق فلا يكن من طبعك، فإنك لا تضربهما إلا نفسك، وإذا كنت أنت الضار لنفسك كفيت عدوك أمرك، لأن عداوتك لنفسك أضر عليك من عداوة غيرك.
يا بني، اجعل معروفك في أهله وكن فيه طالباً لثواب الله، وكن مقتصداً، ولا تمسكه تقتيراً ولا تعطه تبذيراً.
يا بني، إن أشد العدم عدم القلب، وإن أعظم المصائب مصيبة الدَّين، وأسنى المرزئة مرزئته، وأنفع الغنى غنى القلب، فتلبث في كل ذلك، والزم الرضا والقناعة والرضا بما قسم الله، وإن السارق إذا سرق حسبه الله من رزقه، وكان عليه إثمه، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجهه.
يا بني، ليس مال كصحة، ولا نعيم كطيب نفس.
يا بني، اعتزل الشر يعتزلك.
يا بني، ضرب الوالد لولده كالماء للزرع.
يا بني، إذا راقبت الله تعالى لم تقدم على معصية أبداً، لأنه بمجرد التفاتك إلى أنه يراك ويطلع عليك يمنعك الحياء من مخالفته.
يا بني، أكلتُ الحنظل وذقتُ الصبر فلم أرَ شيئاً أمرَّ من الفقر.
يا بني، كن على حذر من اللئيم إذا أكرمته، ومن الكريم إذا أهنته، ومن العاقل إذا هجوته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الجاهل إذا صاحبته، ومن الفاجر إذا خاصمته، وتمام المعروف تعجيله.
يا بني، ثلاثة تحسن بالإنسان: حسن المحضر، واحتمال الإخوان، وقلة الملل للصديق. وأول الغضب جنون وآخره ندم.
يا بني، ثلاثة فيهم الرشد: مشاورة الناصح، ومداراة العدو والحاسد، والتحبب لكل أحد.
يا بني، من وثق بثلاثة أشياء لا بد وأن يكون مغروراً: الذي يصدِّق ما لا يراه، ويركن إلى من لا يثق به، يطمع فيما لا يناله.
يا بني، احذر الحسد فإنه يفسد الدِّين، ويضعف النفس، ويعقب الندم.
يا بني، إني حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل، فلم أجد أثقل من جار السوء، وذقت المرارة كله فلم أذق أمرَّ من الفقر.
يا بني، إياك والكذب، فإنه شهي كلحم العصفور، وعما قليل يُقلى صاحبه.
يا بني، احضر الجنائز ولا تحضر العرس، فإن الجنائز تذكِّرك الآخرة، والعرس يشهِّيك الدنيا.
يا بني، لا تأكل شبعاً على شبع، فإنك إن تلقه إلى الكلب خير لك من أن تأكله.
يا بني، لا تكن حلواً فتؤكل، ولا مرَّاً فتلفظ.
يا بني، لا يطأ بساطك إلا راغب فيك أو راهب منكر منك، فأما الراغب فيك فأظهر له البشاشة مع صفاء الباطن له، وابدأه بالنوال قبل السؤال، فإنك إن تلجئه إلى السؤال منك تأخذ من حُرِّ وجهه ضعفي ما تعطيه، وأنشدوا:
إذا أعطيتني بسؤال وجهي |
فقد أعطيتني وأخذت مني |
وأما الراهب منك الخائف، فأدنِ منه مجلسه وتهلل في وجهه، وإياك والغمز من ورائه.
يا بني، ابسط حلمك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، وصل أقاربك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم لم تعبهم ولم يعيبوك.
يا بني، إنما هو خَلاقك وخُلقك، فخلاقك دينك وحصنك، وخُلقك بينك وبين الناس، فلا تتبغض إليهم، وتعلَّم محاسن الأخلاق. وإني لا أسأل عما كفيته، ولا اتكلَّف ما لا يعنيني.
يا بني، من تقرب إلى الزفت تعلق به بعضه، كذلك من يشارك الكافر يتعلم من طرقه.
يا بني، أدِّ الأمانة تسلم دنياك وآخرتك، وكن أميناً، فإن الله جل وعلا لا يحب الخائنين.
يا بني، الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق.
يا بني، لو كانت البيوت على العمل ما جاور رجل جار سوءٍ أبداً.
يا بني، الوحدة خير من صاحب السوء.
يا بني، جاور المساكين، واخصص المساكين والفقراء من المسلمين.
يا بني، كن لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج العطوف.
يا بني، المحسن يكافأ بإحسانه والمسيء تكفيه إساءته، لو جهدت أن تفعل به أكثر من فعله بنفسه ما قدرت عليه.
يا بني، شاور الكبير ولا تستحيي من مشاورة الصغير.
يا بني، إياك ومصاحبة الفساق، فإنما هم كالكلاب: إذا وجدوا عندك شيئاً أكلوه، وإلا ذموك وفضحوك، فإنما حبهم بينهم ساعة.
يا بني، معاداة المؤمن خير من معاداة الفاسق.
يا بني، المؤمن تظلمه ولا يظلمك، وتغضب عليه ويرضى عنك، والفاسق لا يراقب الله فكيف يراقبك؟
يا بني، ابدأ الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام.
يا بني، لا تكالب الناس فيمقتوك، ولا تكن مهيناً فيذلوك، ولا تكن حلواً فيأكلوك، ولا مراً فيرفضوك.
يا بني، لا تخاصم في علم الله فإن علم الله لا يدرك ولا يحصى.
يا بني، انهِ النفس عن هواها، فإنك إن لم تنهِ النفس عن هواها لم تدخل الجنة ولن تراها.
يا بني، إياك والتجبر والتكبر والفخر، فتجاور إبليس في داره، واعلم أنك ساكن القبور.
يا بني، اعلم أن من جاور إبليس وقع في دار الهوان لا يموت فيها ولا يحيا.
يا بني، ويل لمن تجبر وتكبر، وكيف يتعظم من خُلق من الطين وإلى الطين يعود، ثم لا يدري إلى ما يصير: إلى الجنة فقد فاز، أو إلى النار فقد خسر خسراناً مبيناً وخاب؟ أم كيف يتجبر من جرى في مجرى البول مرتين؟
يا بني، كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه؟ وكيف يغفل وليس بمغفول عنه؟
يا بني، إنه قد مات أصفياء الله عز وجل وأحباؤه وأنبياؤه (صلوات الله عليهم)، فمن ذا بعدهم فيتـرك فيخلَّد؟
يا بني، أحثك على ست خصال، ليس منها خصلة إلا وهي تقربك إلى رضوان الله عز وجل وتبعدك من سخطه:
الأولى: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً.
الثانية: الرضا بقدر الله فيما أحببت أو كرهت.
الثالثة: أن تحب في الله وتكره في الله سبحانه وتعالى.
الرابعة: أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك.
الخامسة: تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك.
السادسة: ترك الهوى ومخالفة الرَّدى.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.