صوموا تصحوا

img

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

25/8/1439هـ

الحمد لله رب العالمين، ديان يوم الدين. وأستغفره وأتوب إليه إنه هو التواب الرحيم. وأصلّي وأسلم على سيد الأنبياء والمرسلين، حبيب قلوب العالمين، وآله الطيبين الطاهرين.

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن خير الزاد التقوى، وطاعة الله سبحانه، وتجنب شرور النفس واتباع خطوات الشيطان:

ما الخير صوم يذوب الصائمون له *** ولا صلاةٌ ولا صوفٌ على جسدِ
إنما هو ترك الشـرِّ مُطّرِحاً *** ونفضك الصدرَ مِن غلٍ ومِنْ حسدِ

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ([1]).

وقال رسول الله|: «صوموا تصحوا»([2]).

صحيح أن من فوائد الصيام التي يمكن أن يستفيدها الصائم الصحة البدنية والصحة النفسية، لكن عليه أن يلتفت إلى أن الغاية العظمى التي على المؤمن الصائم أن يسعى إليها هي تحقيق الصحة النفسية؛ وذلك بسلامتها من أسر الهوى والشهوات. إنّ أعظم قامع لهوى النفس والأهواء الشيطانية هو الصيام خاصة في شهر رمضان المبارك، وقد ورد في الحديث: «سياحة أمتي الصوم»([3]).

ومن هنا صار الصوم صحة وتربية وطاعة، لا تعذيباً وحرماناً.

أما من الناحية الصحية، فعلينا أن نتأمل قول الرسول|: «صوموا تصحوا»، حيث إن الصوم فيه الخير الكثير لصحة الإنسان الصائم؛ نهو تنظيم لفترات تناول الطعام، ويشمل تنظيم الجهاز الهضمي لتقبل الغذاء في فترتين من فترات اليوم، وإذا التزمنا باقتصارنا عليهما من غير تناول ما هو فوق الطاقة، فسوف نحصل على الفائدة والحكمة من الصوم، فقد قال الرسول|: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء»([4]).

ولذلك حبب الشرع المقدس الالتزام بوجبتي الإفطار والسحور، وانتقاء الطعام النافع للجسم فيهما، وقال الرسول|: «وإذا أفطر أحدكم فليفطِر على تمرٍ؛ فإنه بركة، فإن لم يجد فالماء فإنه طهور»([5]).

ذلك أن الأمعاء تمتص السكر في أقل من خمس دقائق فينشط الجسم، وتزول أعراض نقص السكر؛ لأن سكر الدم ينخفض أثناء الصوم؛ ممّا فيؤدي إلى الشعور بالجوع، وسرعان ما يزول ذلك بتناول التمر أو المواد السكرية. وبهذا تتضح الحكمة النبوية الشريفة.

وهذا الشهر أيضاً شهر تربية، فقد كان أميرالمؤمنين× إذا قال: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ([6]) تغير وجهعأه، واصفر لونه من خيفة الله تعالى. فعلينا أن نستفيد من سيرة شهيد الشهر المبارك أمير المؤمنين×، وأن نستشعر جوع الفقراء والمساكين والمحتاجين، وأن نلزم أنفسنا بالتعاون على كل عمل صالح خاصة في هذا الشهر المبارك؛ فإنه شهر التقوى وشهر العطاء وشهر الارتباط بالله سبحانه بالدعاء والاستغفار والتوبة.

كما علينا ألّا يفوتنا أمر إحياء الليل في شهر رمضان حتى نشعر بخشية الله سبحانه؛ فقد ورد في الحديث عن أبي أمامة عن الرسول|: «ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دمع في سواد الليل، يقطرها العبد مخافة من الله، لا يريد بها غيره»([7]). وعنه|: «إذا اقشعر قلب المؤمن من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجر ورقها»([8]).

جمالية الانقطاع إلى الله تعالى

إن هذه الأيام جميلة تجعل الروح مزدهرة، والنفس شفافة، والقلب خاشعاً من خشية الله، وإن من أجمل الأعمال فيها التضرع والخشوع لله، والعمل بإخلاص.

لقد ورد في الحديث: «كل عين باكية يوم القيامة إلا عين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين بكت من خشية الله، وعين بكت على مصيبة أبي عبد الله»([9]).

أي العين الساهرة في حفظ الأمن واستقرار المجتمع، والعين التي تغض عن محارم الله ولا تفعل الحرام.

كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشـررِ

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها *** فعل السهام بلا قوس ولا وترِ

والمرء مادام ذا عين يقلبها *** في أعين الغير موقوف على خطرِ

يسـرّ مقلته ما ضرّ مهجته *** لا مرحباً بسـرور عاد بالضـررِ([10])

والعين التي تبكي من خشية الله هي التي تتوجه إلى الله في هذه الأيام للتزود بالتقوى.

والعين التي تبكي الحسين هي العين التي تسير في خطا أبي عبد لله، تدافع عن الإسلام والقرآن والعقيدة، وتسعى الحفظ حفظ شريعة سيد المرسلين|.

خطبة الرسول|

وقد خطب رسول الله| في آخر جمعة من شعبان مبيناً فضيلة هذا الشهر المبارك فقال: «أيها الناس، قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات. هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعواتكم فيه مستجابة…» ([11]).

والحمد لله رب العالمين.

__________________________

([1]) البقرة: 183.

([2]) بحار الأنوار 93: 255 / 33.

([3]) الوافي 15: 39.

([4]) الخصال: 511 / 3.

([5]) الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 2: 84 / 653. فقه الطب 8: 12036.

([6]) الأنعام: 79.

([7]) مستدرك وسائل الشيعة 11: 244 / 12879.

([8]) بحار الأنوار 67: 393 / 64.

([9]) الخصال: 98 / 46. روضة الواعظين: 450 ولم يوردا ذيل الحديث. وفي بحار الأنوار 44: 293 / 37 ما يشير إلى ثواب البكاء على الإمام الحسين×.

([10]) الكبائر (الذهبي): 90. تفسير الآلوسي 18: 139.

([11]) عيون أخبار الرضا× 1: 265 / 53.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة