كشكول الوائلي _ 217

img

قضايانا بين القرآن والموروث السلفي

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(1).

مباحث الآية الكريمة

إن هذه الآية الكريمة تشتمل على مضامين عدّة، نذكر منها ما يتّسع له المقام كلاًّ في بحث مستقلّ إن شاء الله تعالى:

المبحث الأوّل: نظرتنا الواقعية إلى عدالة الصحابة

وهذه الآية الكريمة من سورة براءة (التوبة)، وهي السورة التي يُسميها المفسّرون الفاضحة؛ لأنها سلطت الأضواء على سلوك كثير ممن عاصر النبيّ صلى الله عليه وآله وعاش ضمن نطاق الذين يُسمونهم المنافقين. فهذه الشريحة من الصحابة سلطت عليهم سورة التوبة التي منها آية المقام الأضواء، وفضحت اتّجاهاتهم وانحرافاتهم وتصرفاتهم وأعمالهم. وفي هذه السورة دلالة واضحة وبرهان قوي، بل أقوى الأدلة وأصحّ البراهين على أنّ موضوع الصحبة هو موضوع غير عاصم لصاحبه، ولا يُعطيه مناعةً ضد النقد والتقويم كما يتصوّرها البعض؛ لأنّ النظرية السائدة أن الشخص بمجرد أن يعاصر النبيّ صلى الله عليه وآله ويكون إلى جانبه فإنّه يكتسب حصانةً ومناعةً تحول دون من يحاول أن يتعرض له أو يقدح فيه.

وهذا في الواقع خلاف منهج القرآن الكريم، واُحبّ أن اُنوّه إلى إنّه ينبغي ألاّ يُفهم منا أن منهجنا هو اتجاه يرمي إلى هدم عدالة الصحابة، أبدا؛ إذ أن جزءا من الواسطة التي بيننا وبين رسول اللّه صلى الله عليه وآله يمرّ عبرهم. وفي الوقت نفسه فإن الصحابة عاشوا جوّا لا يتيسر للآخرين أن يحصلوا على مثله؛ لما فيه من ألوان روحية صافية، لكن هذا لا يعني أنّ كلَّ من عاش في هذه الفترة ولو كانت ساعةً ـ كما يدّعيه البعض ـ أصبح معصوما، ولا يمكن أن تناقش تصرّفاته كافّة، أو أن يتطرّق الشكّ إليه في سيرته أو إيمانه(2).

وهذا المقياس غير مقبول؛ لأ نّه في حقيقته ضحك على العقول؛ فسيرة العقلاء تأبى هذا، ولا يمكن الإقرار بأنّ كل من عاصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هو معصوم. وهؤلاء الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وآله هم من البشر شأنهم شأن غيرهم في كلّ ما هم فيه من إمكان الوقوع في الخطأ والمعصية؛ فإن ثبتت عدالته وثبت صلاحهُ كان موضع احترامٍ وتقديرٍ كبيرين؛ لأ نّه قد اكتسب شرفا كبيرا بصحبة النبيّ صلى الله عليه وآله التي يشترط فيها كما قلنا استقامة صاحبها وإيمانه ووثاقته وعدالته.

وهذا هو منهجنا الذي هو منهج القرآن ومنهج السنة النبوية الشريفة. ولو رجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لوجدنا أنهما يُقيّمان الصحابة تقييما موضوعيا عادلاً. ولو نظر أحد في كتب الصحاح سيما (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم)، وبالذات أخبار الحبّ وغيرها، لوجد كيف أنّها تُصور لنا الصحابة. فمنهجنا لا يتعدى هذا، وهو عين المنهج الذي رسمه كلّ من القرآن والسنة النبوية المطهرة بالنسبة إلى هذه الطائفة من الناس. والذي يتصور أن لدينا هدفا نريد أن نهدم به عدالة بعض الصحابة فهو واهم مخطئ، فنحن نعتزّ غاية الاعتزاز بمن يرتبط بالنبيّ صلى الله عليه وآله برباط العقيدة والإيمان من قريبٍ أو من بعيد، بشرط أن يكون على سنّته وعلى هديه وسيرته.

يتبع…

______________

(1) التوبة: 65.

(2) وكأنه من حقّه أن يتّصف بأنه: لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ الأنبياء: 23.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة