كشكول الوائلي _ 218

img

المبحث الثاني: سبب نزول الآية

إنّ سبب نزول هذه الآية الكريمة هو أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان خارجا إلى غزوة تبوك ـ وقيل: عند رجوعه من تبوك ـ وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين: اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول، والثالث يضحك، وكانوا يقولون: إن محمدا يزعم أنه يغلب الروم، ويفتح مدائنهم فما أبعده من ذلك، وأنه يزعم أنه نزل في أصحابنا المقيمين بالمدينة قرآن، وإنما هو قوله وكلامه.

فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله على قولهم، بأن أهبط عليه جبرائيل عليه السلام وجلّى الصورة أمامه، فقال صلى الله عليه وآله: «احبسوا على الركب». فدعاهم وقال لهم: «قلتم كذا وكذا». فلمّا فاجأهم رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله بهذا قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، أي كنا نتحدّث ونخوض في الكلام، كما يفعل الركب لقطع الطريق بالحديث واللعب.

والخوض هو أن تستنقع قدم الإنسان في مائعٍ رطبٍ أو في طين. أمّا اللعب فهو عبارة عن إنزال النفس منزلاً على وجهٍ ينافي الحكمة؛ في سبيل أن ترتاد مسالك اللذة. فهؤلاء قالوا للنبيّ صلى الله عليه وآله: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وهذا المعنى فيه استعارة، أي أنّهم يريدون أن يقولوا: إننا غير جادين في هذا الكلام، فردّ عليهم الرسول صلى الله عليه وآله قائلاً: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ أي ألا يوجد عندكم ما تخوضون وتلعبون به غير مقدّساتكم؟

يقول عبد اللّه بن عمر: كان أحدهم ويدعى وديعة بن ثابت(1) يشتدّ امام رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أمسك بعقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله، والحجارة تنكبه، وهو يقول: «إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول له: «أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ..»(2)».

يتبع…

_________________

(1) في المصدر أنه عبد الله بن أبي.

(2) مجمع البيان 5: 81 – 82، تفسير البغوي 2: 308، التفسير الكبير 16: 122 – 123.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة