صفات من لا يحبهم الله (2)

img

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

أذكرُ اللهَ وأمجدُّه، وأستعينه وأستغفره، وأتوب إليه. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لاشريك له، له الحمد إنه على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، وحبيب قلوب العالمين، أبي القاسم محمد عليه وعلى آله الطاهرين أكمل صلاة وأتمّ تسليم.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن الدنيا دار الغرور، والآخرة دار مقر:

تحرز من الدنيا فإن فِناءها *** محل فَناء لا محل بقاءِ
فصفوتُها ممزوجة بكدورة *** وراحتها مقرونة بعناءِ([1])

تقدم الكلام حول بعض صفات من لا يحبهم الله تعالى، كالظالمين والمعتدين والمفسدين ونتكلم اليوم عن بقية الصفات.

رابعاً: المختال الفخور، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا([2]). هذه الآية الكريمة تدعو في البداية إلى عبادة الله والخضوع له وحده، وترك الشرك اللذين هما أساس المنهج الديني؛ حيث إن التوحيد وعبادة الله يطهّران الروح ويدفعان بالنية لأن تكون خالصة، ويشدّان من عزيمة الإنسان، ويقوّيان إرادته، ويسلكان به طريق الاستقامة والسعادة. ثم بيّنت الآية الكريمة أن الله لا يحب الإنسان المختال الفخور الذي يعصي أوامر الله تعالى، ولا يؤدي حقوق الآخرين بدافع التكبر والإعجاب بالنفس.

صاحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

قال أحد الأصحاب: كنت عند رسول الله| فقرأ هذه الآية، فذكر الكبر فعظمه، فبكى ذلك الصحابي، فقال رسول الله|: «ما يبكيك؟» فقال: يا رسول الله|، إني لأحب الجمال، حتى إنه ليعجبني أن يحسن شراك نعلي. قال|: «فأنت من أهل الجنة، إنه ليس من الكبر أن تحسن راحلتك ورحلك، ولكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس»([3])، أي احتقرهم واستصغرهم ولم يرَهم شيئاً، قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ([4]). وقال تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ([5]).

خامساً: الكافرون الذين لا يؤمنون بالله، ويتمردون عليه وعلى شريعته، قال سبحانه ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ([6]).

وإذا كان الحب علاقة قلبية، فإن آثاره لابد أن تظهر على سلوك الإنسان كاتّباع الرسول|، وانجذاب المُحب نحو المحبوب؛ فإن حب الله ناشئ من كونه مصدر جميع الكلمات وأصلها، ومن عشِق الكمال لا يعصي، بل عليه أن يطيع أوامر محبوبه ويتبع تعاليمه. قال الإمام الصادق×: «ما أحب الله من عصاه». ثم قرأ:

«تعصـي الاله وأنت تظهر حبه *** هذا محال في الفعال بديعُ
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيعُ»([7])

قال سبحانه: ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ([8]).

أيها الأخوة، علينا في هذا الزمن الصعب العمل الدؤوب، والمراقبة المستمرة لأبنائنا، وتربيتهم تربية إيمانية صحيحة تربطهم بالإيمان بالله تعالى؛ لتجنبهم الإلحاد والملحدين، خاصة أولئك الذين يشككون في وجود الخالق سبحانه، ويقودون النشء للانحراف والكفر بالله، والاستهزاء بالدين والعقيدة.

نعم، إن من أفضل الأعمال في هذا الزمن تربية الأولاد في الدورات الدينية، ومصاحبتهم للمؤمنين، والأخذ بيدهم إلى المسجد، والتشديد على دفعهم لحضور المحاضرات الدينية، إلى غير ذلك من وسائل التربية والتعليم التي تساعد على التصدي لشبهات الملاحدة والضالين.

إن إنكار الخالق سبحانه ليس له من الواقع نصيب إلّا الجهل، والجهل ليس دليلاً ولا برهاناً، ولا يقود إلّا إلى الباطل والظنون التي من ورائها الشيطان الذي يحثهم على شهوات الدنيا وملذاتها، قال تعالى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى([9]).

فيك يا أعجوبة الكو *** ن غدا الفكر كليلا
أنت حيرت ذوي اللـ *** ـب وبلبلت العقولا
كلّما أقدم فكري *** فيك شبراً فرّ ميلا
ناكصاً يخبط في عمـ *** ـياء لا يهدي السبيلا([10])

«أين مبيدُ العتاةِ والمردة؟ أين مستأصل أهل العنادِ والتضليل والإلحاد؟ أين معزُ الأولياء ومذلُ الأعداء؟ أين جامعُ الكلمة على التقوى؟ أين بابُ الله الذي منه يُؤتى؟ أين وجه الله الذي إليه يتوجهُ الأولياء»([11]).

يتبع…

___________________

([1]) شجرة طوبى 2: 422.

([2]) النساء: 36.

([3]) مجمع الزوائد 7: 4.

([4]) لقمان: 18.

([5]) الحديد: 23.

([6]) آل عمران: 31 ـ 32.

([7]) وسائل الشيعة 15: 308 / 20596.

([8]) الروم: 44 ـ 45.

([9]) النجم: 23.

([10]) شرح نهج البلاغة 13: 51. مجمع البحرين 3: 445.

([11]) الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 509.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة