مولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

img

الحب الإلهي

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

10/4/1439 هـ

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه، وتفضل علينا بكرمه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأصلّي وأسلم على آله الطاهرين.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن التقوى درع الله الحصين:

بك أستجير ومن يجير سواكا *** فارحم ضعيفاً يحتمى بحماكا
يا رب قد أذنبت فاغفر زلتي *** أنت المجيب لكل من ناداكا

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾([1]).

تكلمت الآية الكريمة وغيرها ممّا يعالج الموضوع نفسه عن أحباء الله، وأثنت عليهم، ووصفتهم بأنواع الصفات، قال تعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ([2]). وقال سبحانه: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ([3]).

وتبين الآية الكريمة أن مقياس الشخصية المثالية يتمثّل في الحفاظ على القيم النبيلة كالوفاء بعهد الله، وتقوى الله سبحانه. ومثل هذا الشخص هو من يحظى بحب الله، وليس أهل الكذب والغدر والخيانة ومن يغتصب حقوق الآخرين. يقول الإمام الصادق×: «إن الله لم يبعث نبياً إلاّ بصدق الحديث، وأداء الأمانة»([4]).

وقال سبحانه فيمن يحبهم: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ([5]). وهذه تؤكد الآية على أن المؤمن عليه إذا عزم على أمر أن يتوكل على الله، ويستمد العون منه سبحانه، غير متجاهل استخدام الوسائل المطلوبة والمعمول بها في الحياة. وقد روي في حديث أن النبي‘ قال لأعرابي حضر عنده وقد ترك ناقته سادرة في الصحراء دون أن يعقلها حتى لا تفر أو تضلّ؛ ظناً بأن هذا من التوكل على الله: «اعقلها وتوكل»([6]).

لذلك ينبغي مع الأخذ بالأسباب التوكل على الله وعنايته ولطفه تعالى، فإن الله سبحانه يحب المتوكلين، خاصة أنه سبحانه أمرنا بالتوكل عليه: ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ([7]).

وقال سبحانه فيمن يحبهم: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ([8]).

ولا شك أن الصفح الجميل هو من الخلق الحميدة، وسعة الصدر من الأمور المحمودة، والإحسان إلى المسيئين من خلق الأنبياء وأهل البيت الأطهار^:

مطهرون نقيات ثيابهم *** تجري الصلاة عليهم أين ما ذكروا([9])

وقال سبحانه فيمن يحبهم: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ([10]).

وتحدثت الآية الكريمة عن تثبيت المسلمين بعد معركة أحد، لتشجعهم وبأن ذكرت لهم تضحيات من سبقهم من أصحاب الرسل الماضين، وأتباعهم المخلصين الذين واجهوا المصاعب والشدائد في قتالهم أعداء الله تعالى، ولم يشعروا بالضعف والهوان والتقهقر، ولم يخضعوا لأعداء الله. ولاشك أن الله يحب مثل هؤلاء الصابرين الذين يواجهون المشاكل بشجاعة وبسالة، لا أن يكونوا انهزاميين في حياتهم.

ويقول سبحانه فيمن يحبهم: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ([11]).

إذن ينبغي أن يكون المؤمن حائزاً على كل تلك الصفات التي أشارت إليها الآيات الكريمة الآنفة حتى يحصل على حب الله تعالى؛ حيث إن محبة الله للإنسان هي مصدر السعادة، وقد ورد عن الصادق×: «حب الله إذا أضاء على سر عبد أخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله عند ظلمة، والمحب أخلص الناس سرّاً لله، وأصدقهم قولاً، وأوفاهم عهداً، وأزكاهم عملاً، وأصفاهم ذكراً، وأعبدهم نفساً. تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته، وبه يعمر الله تعالى بلاده، وبكرامته يكرم عباده، يعطيهم إذا سألوه بحقه، ويدفع عنهم البلايا برحمته. فلو علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ما تقربوا إلى الله إلّا بتراب قدميه»([12]).

وقال النبي‘: «إذا أحب الله عبداً من أمتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته وسكان عرشه محبته ليحبوه، فذلك المحب حقاً، طوبى له ثم طوبى له، وله عند الله شفاعةٌ يوم القيامة»([13]).

وفي رواية عن أبي عبدالله×: «لا يمحض الرجل الإيمان بالله حتى يكون الله أحب إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله ومن الناس كلهم»([14]).

وعن أمالي الشيخ الصدوق& في الحديث القدسي: «يابن عمران، كذب من زعم أنه يحبني، فإذا جنّه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه»([15]).

ونحن في هذا اليوم المبارك نحتفل بمولد حبيب من أحبائه تعالى، وعظيم من العترة الطاهرة، وهو الإمام الحسن العسكري×:

يوم ميلاده نهنئ أحمدْ *** ونزف البشـرى لآل محمدْ
مولد بالإله جاء مؤيدْ *** حاملاً نور أرضها وسماها
زيّن الله جمعنا بالتهاني *** حقق الله للمحب الآماني
وحمانا من كيد جور الزمانِ *** ولكل البلاد شراً كفاها

_______________________

([1]) المائدة: 54.

([2]) المائدة: 42.

([3]) آل عمران: 76.

([4]) الكافي 2: 104 / 1.

([5]) آل عمران: 159.

([6]) ميزان الحكمة 4: 3661 / 4188. صحيح ابن حبان 2: 509 / 729.

([7]) إبراهيم: 12.

([8]) المائدة: 13.

([9]) مناقب آل أبي طالب 3: 474.

([10]) آل عمران: 146.

([11]) البقرة: 222.

([12]) بحار الأنوار 67: 23 / 23.

([13]) بحار الأنوار 67: 23 / 23.

([14]) بحار الأنوار 67: 24 / 25.

([15]) الأمالي: 438 / 577.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة