صفات حماة الدين

img

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

الحمد لله الذي وسع العباد برحمته، وأنعم علينا بعظيم نعمته، وحبانا بجوده ومغفرته، ووفقنا في الدنيا لطاعته، ونهانا من معصيته. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأصلّي وأسلم على المعصومين من ذريته، سادة العباد وخيرته في بريته.

عباد الله، اُوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن التقوى زاد الآخرة:

فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها *** ويا آمناً من أن تدور الدوائرُ
ولم تتزود للرحيل وقد دنا *** وأنت على حالٍ وشيكٍ مسافرُ
فيا لهف نفسـي كم أسوّف توبتي *** وعمريَ فانٍ والردى لي ناظرُ
وكل الذي أسلفت في الصحف مثبت *** يجازي عليه عادلٌ الحكمِ قادرُ([1])

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ([2]).

تحدثت الآية الكريمة عن المرتدين، وأن من يرتدّ عن دينه فلن يضر الدين أو المجتمع، أو تقدم الحالة الإسلامية أو تطورها؛ إذ إن حامي الدين هو الله تعالى القادر على الإتيان بقومٍ لحماية هذا الدين والشريعة. وصفات هؤلاء الحماة هي:

الصفة الاُولى: أنهم يحبون الله ولا يفكرون بغير رضاه، ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾. فهم قوم همهم التقرب من الخالق، وإزالة كل الموانع بينهم وبينه بالطاعة والعبادة.

وإذا حلت الهداية قلباً *** نشطت للعبادة الأعضاء([3])

يقول الرسول‘ في حق علي× في فتح خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»([4]).

وفتح الله على يديه، واندحر اليهود وانتصر المسلمون بعلي×. يقول ابن أبي الحديد:

يا هازم الأحزاب لا يثنيه عن *** خوض الحمام مدججٌ ومدرعُ
يا قالع الباب الذي عن هزها *** عجزت أكف أربعون وأربع([5])

الصفة الثانية: أنهم أذلة على المؤمنين، حيث يبدون التواضع والخضوع والرأفة أمام المؤمنين. والتواضع هو أحد الأسباب المزيلة لداء التكبر، ويرفع الإنسان في الدنيا، ويقربه من الله تعالى. وقد تواترت الأخبار بالحث عليه، فعن النبي‘ أنه قال: «ما تواضع أحدٌ إلّا رفعه الله»([6]). وقال‘ لأصحابه: «ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة؟» فانبروا قائلين: ما حلاوة العبادة؟ فقال: «التواضع»([7]).

قال تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.

الصفة الثالثة: الشدة على الكفار، وإبراز القوة أمامهم وأمام الظالمين، قال تعالى: ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، فلا يجوز للمؤمن أن يكون ذليلاً أمام الكافرين، وأن يتصف بالضعف والخضوع والمسكنة، بل عليه إظهار القوة والعزة؛ لإرهابهم وإدخال الرعب في قلوبهم، وتشتيت كلمتهم.

الصفة الرابعة: الجهاد في سبيل الله، بحيث يكون شغلهم الشاغل الدفاع عن حياض الإسلام وحرماته من شر المعتدين، وكيد الكافرين، ومؤامرات المنافقين الذين يتربصون دائماً بمصالح المسلمين للفتك بهم. يقول علي× في نهج البلاغة: «أما بعدُ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه، ألبسه الله ثوب الذل، وشَملَهُ البلاء، ودَيِثَ بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالإسهاب»([8]).

الصفة الخامسة: أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، بل يدافعون عن الحق، وينفذون أوامر الله تعالى، يقول تعالى: ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾، إنهم الذين يتحلّون بالشجاعة، ويمتلكون الجرأة في مواجهة الخرافات وعادات الجاهلية، والوقوف أمام مظاهر الانحراف التي تفتك بالمجتمع المتدين. وبناء على هذا يعتبر السكوت عن المنحرفين ومظاهر الفساد أمرغيرمقبول؛ إذ بالسكوت عنهم تسود الفوضى وتكثر المشاكل. وانطلاقاً من هذا فإن علينا أن نتعاون مهما أمكن للوقوف أمام المنحرفين بالطرق الرسمية والمشروعة، لنتغلب على الفوضى والفوضويين، وأصحاب الأفكار المنحرفة المخلة بالأمن والأمان، الناشرة للفساد، والمثيرة للفتن، والتي تسعى لتفكيك أواصر المجتمع.

ولا يخفى أن كل هذا يحتاج إلى الجرأة والشجاعة والشهامة والتعاون، حتى نخلص مجتمعنا من أصحاب الأفكار الضالة والمنحرفة، ومن المنحرفين والشاذين، وبذلك يصبح المجتمع مثالياً يشدّ بعضه بعضاً: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

الفرزدق ونصرة الحق

لقد وقف الفرزدق في وجه هشام بن عبد الملك، وأنكر عليه انتقاصه للإمام زين العابدين× حينما حاول إفكار معرفته بعد أن رأى الناس تنفرج عن طريقه وتجله وتحترمه، فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهُمُ *** هذا التقي النقي الطاهرالعلمُ
وليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجمُ([9])

«اللهم عجل فرج وليك، واجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، ودعاءنا به مستجاباً، واجعل أرزاقنا به مبسوطة، وهمومنا به مكفية، وحوائجنا مقضية، وأقبل إلينا بوجهك الكريم، واقبل تقربنا إليك»، والحمد لله رب العالمين.

_________________

([1]) تاريخ مدينة دمشق 41: 407. شرح إحقاق الحق 28: 140.

([2]) المائدة: 54.

([3]) الفوائد الرجالية 1: 39. سبل الهدى والرشاد 1: 393.

([4]) الكافي 8: 351 / 548.

([5]) الروضة المختارة (ابن أبي الحديد): 140.

([6]) الأمالي (الطوسي) : 56 / 80.

([7]) ميزان الحكمة 4: 3554 / 4092.

([8]) نهج البلاغة / الخطبة: 27.

([9]) مناقب علي بن أبي طالب (ابن المغازلي): 311 / 394. تاريخ مدينة دمشق 41: 401.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة