رحيل الرسول

img

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

27/2/1439هـ

الحمد لله الذي أضاء قلوبنا، وأنار بهدي النبي| دروبنا، وعلى طريق الحق ثبت أقدامنا، ولاتباع سنة نبيه وأهل بيته وفقنا، ونصلّي ونسلم على الرسول الأمين، حبيب قلوب العالمين، وخير الخلق أجمعين، وعلى أخيه أميرالمؤمنين، وعلى الزهراء سيدة نساء العالمين، وآله الطيبين الطاهرين:

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فمذ فُقدت فكل الخير محتجبُ
فليت قبلك كان الموت صادفنا *** إذ لا سواك لنا تُجلى به الكربُ
إنا رُزينا بما لم يُرزَ ذو شجنٍ *** من البرية لا عجم ولا عربُ
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** منا العيون بتهمال لها سكب([1])

قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ([2]).

وضع الرسول الأكرم| أسس الشريعة كخاتمة للشريعة الإسلامية في مدة عشر سنين احتضنت المدينة المنورة خلالها رسول الأمة ورسالة السماء، باذلةً كل ما في وسعها، حتى سقطت الأوثان والطواغيت، ورفرفت راية الإيمان. فبنبيّنا| توطد الأمن، وثبتت أركان العقيدة، واُوضحت معالمُ الرسالة، وصار الإسلامُ منهجاً بقرآنه وسنة نبيه وتعاليم أهل بيته وجهود الصحابة المرضيين.

وبعد حين، وفي حِجة الوداع لاحت علامات انتقال النبي| إلى الرفيق الأعلى، وكان همه حفظ الدولة الإسلامية، فشرع في نهاية حياته بتوطيدها عبر عديدة:

الخطوة الأولى: تجهيز جيش أسامة إلى الشام ليقوم بغزو الروم بحشد أكبر عدد ممكن من الصحابة. وعلى الرغم مرضه إلا إنه عقد لواء الجهاد لأسامة بن زيد، وحثّ الناس على الخروج تحت إمرته، وأمر مناديه أن ينادي: «جهزوا جيش أسامة…»، وصار ينادي بنفسه|: «جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»([3]).

الخطوة الثانية: الاستغفار لأهل البقيع، حيث دعا بعلي× وقال له: «إني اُمرتُ بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلق معي. يا علي، إن جبرئيل كان يَعرِضُ عليّ القرآن في كل سنة مرة واحدة، وقد عرض عليّ هذا العام مرتين، ولا أراه إلّا لحضور أجلي».

فخرجا إلى البقيع وصار النبي| يقول: «السلام عليكم يا أهل المقابر، هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولَها»([4]).

الخطوة الثالثة: التحدث للناس. حيث خرج للمسجد، وخطب في الناس وقال: «معاشر أصحابي، أي نبي كنت لكم؟ ألم أجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيتي؟ ألم يعفر جبيني؟ ألم تسل الدماء على حر وجهي حتى كنفت لحيتي؟ ألم أكابد الشدة والجهد مع جهال قومي؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟». قالوا: بلى يا رسول الله، لقد كنت لله صابراً، وعن منكر بلاء الله ناهياً، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء قال: «وأنتم فجزاكم الله».

ثم نادى في الناس: «فمن كان له عندي عِدة فليأتني أعطِه إياها، ومن كان له عندي دين فليخبرني به، فليس بين الله و بين أحدٍ شيء يعطيه به خيراً أو يصرف عنه به شراً إلّا العمل الصالح»([5]). وأوصاهم بالثقلين خيراً، وصلى بالناس وعاد إلى فراشه من شدة التعب.

يقول ابن سعد في الطبقات الكبرى: وفيما هو في الشدة في بيته، وعنده عدة من أصحابه قال: «ائتوني بدواة و قرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً». فقال أحدهم: إنه يهجر:

أوصى النبي وقال قائلهم *** قد ظل يهجر سيد البشـرِ

فلما تنازعوا فيما بينهم، قال لهم الرسول|: «قوموا، فما ينبغي أن يكون بين يدي نبي خلاف». فقالوا: يا رسول الله، نأتيك بدواة وبياض؟ قال: «أما بعد الذي قُلتم فلا. دعوني؛ فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيراً». وأعرض بوجهه عن القوم([6]).

الخطوة الرابعة: وصاياه لأهل بيته؛ حيث طلب علياً× وجعل يناجيه طويلاً، قال علي×: «علّمني ألف باب من العلم، يُفتح لي من كل باب ألفُ باب. وأوصاني بما أنا فاعله»([7]).

فلما أُغمي عليه بكت فاطمة ونادت: «وا كرباه لكربك يا أبتاه، نفسي لنفسك الفداء». فضمّها إلى صدره، وأخبرها أنها أول أهل بيته لحوقاً به. ثم أغمي عليه، فانكبّت عليه تبكي وتقول:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأراملِ
تطوف به الهلّاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضلِ([8])

_____________________

([1]) مناقب آل أبي طالب 3: 136. بحار الأنوار 43: 196 / 27.

([2]) آل عمران: 144.

([3]) بحار الأنوار 30: 432.

([4]) بحار الأنوار 22: 466 / 19.

([5]) الأمالي (الصدوق): 634 / 6. بحار الأنوار 22: 467 / 19.

([6]) الطبقات الكبرى 2: 242.

([7]) بحار الأنوار 22: 522 / 29.

([8]) انظر بحار الأنوار 22: 470 / 19، 509 / 9، 521 / 29.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة