وفاة الإمام العسكري×

img

خطبة الجمعة

مسجد الإمام الرضا×

مصطفى آل مرهون

27/2/1439هـ

الحمد لله المتفضل بالنعم، المغدق على عباده بفيض الكرم، دافع البلاء والنقم، وأصلي وأسلم على سيد العرب والعجم، وآله الطاهرين، الكرام المنتجبين، أصل الجود والكرم.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وألّا تغرنكم هذه الدنيا الفانية:

كلنا يأمل مدّاً في الأجلْ *** والمنايا هن آفات الأملْ
لا تغرنْكَ أباطيل المنى *** والزم القصد ودع عنك العللْ
إنما الدنيا كظل زائل *** حل فيه راكب ثم ارتحلْ([1])

لقد اهتم الكثيرون من الكتّاب والدارسين بالبحث في حياة أهل البيت^؛ كونها امتداداً لحياة الرسول الأكرم‘، كما إنها الصورة الحقيقية للإسلام، ومعلم العلم والعدل والخير، والشعلة التي تنير طريق السالكين. بل نقول: إن كل ما تعانيه البشرية على وجه العموم، والأمة الإسلامية على وجه الخصوص من ويلات وأزمات أودت بالأمة إلى ما هي عليه الآن، وما وصلت إليه من فقر و ظلم هو بسبب البعد عن هديهم^، قال رسول الله‘: «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا»([2]).

وهذه الأيام تفتقد الأمة الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت^ الإمام الحسن العسكري المولود في ربيع الآخر سنة 232 هجرية، والمستشهد في الثامن من ربيع الأول سنة 260. وكانت مدة إمامته ست سنوات قضاها في خدمة الناس، وتربيتهم وعبادة ربه، والعلم والعمل الصالح.

موقفه مع البهلول

نظر البهلول إلى الإمام× وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون، فظن أنه يتحسر على ما بأيديهم، فقال له: أشتري لك ما تلعب به؟ فقال الإمام×: «يا قليل العقل ما للّعب خلقنا». فقال له: لماذا خلقنا؟ فقال الإمام×: «للعلم والعبادة». فقال له: من أين لك ذلك؟ فقال الإمام×: «من قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ([3])». ثم سأله أن يعظه فوعظه بأبيات، ثم خر الإمام الحسن× مغشياً عليه، فلما أفاق قال له: ما نزل بك وأنت صغير ولاذنب لك؟ فقال×: «إليك عني يا بهلول، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتّقد إلّا بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم»([4]).

أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي ابن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: وقد دخل العباسيون على صالح بن وصيف السبحان وقالوا له: ضيّق عليه في السجن ولا توسّع. فقال صالح: ما أصنع به، وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، وقد صارا من العبادة والصلاح والصيام إلى أمر عظيم؟ ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما، ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما تقول في رجل يصوم النهار، ويقوم الليل كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة؟ فإذا نظر إلينا، ارتعدت فرائصنا، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خاسئين([5]).

ومن وصيته× لشيعته

«أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار؛ فبهذا جاء محمد‘. صلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم؛ فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك.

اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح؛ فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله، وقرابة من رسول الله‘ وتطهير من الله، لا يدعيه غيرنا إلّا كذاب.

أكثروا ذكر الله وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي‘، فإن الصلاة على رسول الله‘ عشر حسنات، أحفظوا ما وصيّتكم به، وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام»([6]).

هكذا كان، أفضلَ الخلق سريرة، وأشرفهم سجية، طهرت ذاته القدسية، وتسامت نفسه العظيمة، فكان في منتهى الكمال والفضيلة، والسمو والرفعة، حياته نور وضياء بسيرته العطرة ووصاياه الهادفة، حتى ودع الدنيا بكبد حرى تقيأها من حرارة السم قطعاً، فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً:

أولادي يا ربي وش ذنبهم *** واحد اتعمدهم اوسمهم

اواحد سفك بالسيف دمهم

_____________________-

([1]) عيون أخبار الرضا× 2: 177. البداية والنهاية 10: 273.

([2]) بصائر الدرجات 1: 413 / 3. بحار الأنوار 28: 111 / 3.

([3]) المؤمنون: 115.

([4]) موسوعة الإمام العسكري× 2: 321 عن نور الأبصار: 101. مناقب أهل البيت^: 293.

([5]) الإرشاد 2: 334. وانظر: الكافي 1: 512 / 23. بحار الأنوار 50: 308 / 6.

([6]) بحار الأنوار 75: 372 ـ 373 / 12.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة