الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

img

قال الله تعالى في سورة العنكبوت آية ٤٥: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.

 ١) ما أهمِّية الانتهاء عن الفحشاء والمنكر بالنِّسبة للمصلي؟

 ٢) ما معنى أنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟

 ٣) هل إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر نهياً كليّاً أم جزئيّاً؟

 أمَّا أهمِّية الانتهاء عن الفحشاء والمنكر بالنسبة للصلاة في وضح من خلال أحاديث النبي الأعظم| وروايات أهل بيته المعصومين^ وذلك كما يلي:

 ١) الانتهاء عن الفحشاء والمنكر سببٌ لقبول الصلاة: رُوِيَ في كتاب الصلاة في الكتاب والسنة محمد الرَّيشهري ص١٤٧ عن أبي عبد الله الصادق× أنه قال: «مَنْ أحبَّ أنْ يعلم أَقُبِلَتْ صلاته أم لم تُقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قُبِلَتْ منه».

  ٢) الانتهاء عن الفحشاء والمنكر سببُ للقُرب من الله تعالى: رُوِيَ في كتاب الصلاة في الكتاب والسنة محمد الريشهري ص١٤٦ عن رسول الله| أنه قال: «مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعْداً».

 ٣) الانتهاء عن الفحشاء والمنكر سببٌ للانتفاع من الصلاة: رُوِيَ في كتاب الصلاة في الكتاب والسنة محمد الريشهري ص١٤٧ عن أبي عبد الله الصادق× أنه قال: «اعلمْ أنَّ الصلاة حجزة الله في الأرض، فَمَنْ أحبَّ أنْ يعلم ما أدرك من نفع صلاته فلينظر فإنْ كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدر ما احتحز».

 ٤) الانتهاء عن الفحشاء والمنكر سببٌ لتمامية الصلاة وقبولها: رُوِيَ في كتاب الصلاة في الكتاب والسنة محمد الريشهري ص١٤٦ عن رسول الله| أنه قال: «لا صلاة لِمَنْ لم يُطعِ الصلاة، وطاعة الصلاة أنْ تنهى عن الفحشاء والمنكر».

 وأمَّا معنى كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فنذكر ثلاثة آراء لبعض الأعاظم من فقهاء الإمامية وذلك كما يلي:

١) رأي الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان ج٨ ص٢١٢ فقال: «إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يعني أنَّ فِعْلَها فيه لطفٌ للمكلف في فعل الواجب والامتناع عن القبيح، فهي بمنزلة النَّاهي بالقول إذا قال: لا تفعلِ والفحشاء ولا المنكر، وذلك لأنَّ فيها: التكبير، والتسبيح، وصنوف العبادة، وكلُّ ذلك يدعو إلى شكله ويصرف عن ضده، كالأمر والنَّهي بالقول، وكلُّ دليلٍ مُؤَدٍّ إلى المعرفة بالحق، فهو داعٍ إليه وصارفٌ عن ضدِّه».

٢) رأي الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان ج١ ص١٩٤: «ولأنها تتضمن التواضع لله تعالى فيدفع حبَّ الرِّئاسة، وهو الكبر والغرور، والتواضع من صفات المؤمنين المتقين الذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً».

٣) رأي السيد الخوئي من كتاب محاضرات في أصول الفقه تقرير بحث آية الله العظمى أستاذ الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي قُدِّس سرُّه الشريف لآية الله العظمى المرجع الدِّيني الشيخ محمد إسحاق الفياض دامت ظله العالي ج١ ص١٧٤ قال: «إنَّ حديث كيفية تأثير الصلاة في الانتهاء عن الفحشاء والمنكر يمكن أن يكون بأحد وجهين:

 الوجه الأول: إنَّ الصلاة باعتبار أجزائها المختلفة كمّاً وكيفاً مشتملة على أرقى معاني العبودية والرقيَّة، ولأجل ذلك تصرف النفس عن جملة من المنكرات وتؤثر في استعدادها للانتهاء عنها من جهة مضادة كل جزء من أجزائها لمنكر خاص، فإنَّ المصلي الملتفت إلى وجود مبدأ ومعادٍ إذا قرأ قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ التفت إلى أنَّ لهذه العوالم خالقاً هو ربُّهم، وهو رحمان رحيم، وإذا قرأ قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ التفت إلى أنَّ الله يسأل عمَّا ارتكبه من القبائح ويُجازي عليه في ذلك اليوم، وإذا قرأ قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ التفت إلى أنَّ العبادة والاستعانة منحصرتان به تعالى وتقدَّس، ولا يصلح غيره للعبادة والاستعانة، وإذا قرأ قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ التفت إلى أنَّ طائفة قد خالفوا الله وعصوه عناداً، ولأجله وقع عليهم غضبه تعالى وسخطه، أو أنهم خالفوا بغير عناد فصاروا من الضالين، وهناك طائفة أخرى قد أطاعوا الله فوقعوا في مورد نعمائه تعالى ورضاه، ففاتحة الكتاب بمجموع آياتها تكون عبرة وعظة للمصلين الملتفتين إلى معاني هذه الآيات، ثم إذا وصل المصلي إلى حد الركوع والسجود فرجع ثم سجد التفت إلى عظمة مقام ربع الجليل، وأنَّ العبد لابدَّ أنْ يكون في غاية تذلل وخضوع وخشوع إلى مقامه الأقدس، فإنهما حقيقة العبودية وأرقى معناها، ومن هنا كانت عباديتهما ذاتية، ومن هنا كان في الركوع والسجود مشقة على العرب في صدر الإسلام، فالتمسوا النبي| أنْ يرفع عنهم هذا التكليف ويأمرهم بما شاء، وذلك لتضادهما مع الكبر والنخوة، وبما أنَّ الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة عدة مرات، فالالتفات إلى معانيها في كل وقت أُتِيَ بها لا محالة يؤثر في النفس ويصرفها عن الفحشاء والمنكر.

 الوجه الثاني: أنَّ الصلاة باعتبار أنها مشروطة بعدة شرائط فهي لا محالة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإنَّ الالتزام بإباحة المكان واللباس وبالطهارة من الحدث والخبث مثلاً، يصرف المكلف عن الكثير من المحرمات الإلهية، وقد نُقِلَ عن بعض السلاطين أنَّه كان يمتنع عن شرب الخمر لأجل الصلاة».

وأمَّا أنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر نهياً كليّاً أو جزئيّاً فهذا بحسب كمالها، فلا شك أنَّ الصلاة تتفاوت مراتبها فضلاً وكمالاً وأجراً وتتفاوت رادعيتها عن الفحشاء والمنكر بحسب كمالها، وهي بذلك تشبه الأدوية وخواصها في العلاج والاستشفاء، فلكل صلاة ـ بحسب شروط الكمال وروح العبادة لها ـ أثر رادع ناهٍ عن الفحشاء والمنكر فتارة تنهى نهياً كليّاً وأخرى نهياً جزئيّاً ومحدوداً، ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا أنه الصلاة فيه أثرا حتى لو كانت الصلاة صورية، وبالطبع فإن هذه الصلاة قليلة الفائدة، ومثل هؤلاء الأفراد لو لم يصلوا صلاة كهذه لكانوا أسوأ مما هم عليه.

ولنوضح أكثر فتقول: النهي عن الفحشاء والمنكر له سلسلة درجات ومراتب كثيرة، وكل صلاة مع رعاية الشروط لها نسبة من هذه الدرجات.

حسين آل إسماعيل

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة