كشكول الوائلي _ 196

img

يزيد بن معاوية ودعوى عدم جواز لعنه

وهنا أودّ أن اطرح سؤالاً، وهو: إنّ يزيد بن معاوية قتل سبعمئة صحابي من حملة القرآن في واقعة الحرّة، وعشرات الآلاف من الناس غيرهم فيها، وأباح المدينة ثلاثة أيام حتى اُبيحت أعراض المسلمين(1)، وأحرق الكعبة بالمنجنيقات(2)، وسلّط البلاء على المسلمين في كل مكان، فهل يصحّ أن يقال عنه: إنّه مسلم؟ يقول الغزالي: أنا لا أستطيع أن أشتم يزيد؛ لأ نّه مسلم(3).

ياللّه ! يزيد ما زال يعدّ مسلما وإلى الآن، ومن يشتمه كافر، وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شُتم ثمانين سنة على المنابر، وسبّ عليه السلام في صلاتهم. ومع ذلك يعدّ هو ومن كان على شاكلته مسلمين بنظر البعض(4)! وهذا البعض الذي يرى إسلام من سبّ خليفة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وابن عمه على المنابر، يرى كفر من أخطأ نتيجة ردّ فعل تحدث عنده، وشتم من يشتم أمير المؤمنين عليه السلام، أليس هذا تهافتا؟ فهل يراد للمجتمع الإسلامي أن يتحوّل إلى أنعام سائمة لا تعقل ولا تعي ما يدور حولها؟

على أية حال فبعد أن قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله لاُسامة: «هلاّ شققت عن قلبه»، حزن وقال: سوف لن اُشهر سيفي بوجه مسلم. ولمّا تولى أميرالمؤمنين عليه السلام الأمر، وقاتل القاسطين والمارقين بأمر رسول اللّه صلى الله عليه وآله(5) رفض مبايعته والقتال معه، وكان يقول له: أعطنا سيفا يفرق بين الحقّ والباطل حتى نبايعك(6). ويقول له: أنا لا اُبايعك؛ لأنك تقتل المسلمين والكافرين على حدّ سواء(7). ولما سئل عن السبب قال: أخشى أن أقتل مسلما. سبحان اللّه ! من يخرج مع «إمام المتقين»، ومع رجل يقول فيه رسول اللّه صلى الله عليه وآله ـ كما عن اُم سلمة (رضي الله عنها) وقد رئيت باكية وهي تذكر الإمام عليا عليه السلام ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «علي مع الحق والحق مع علي، ولن يتفرّقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة»(8).

ويقول صلى الله عليه وآله له: «ويلٌ لمن سل سيفَه عليك، وسللت سيفَك عليه»(9).

يتبع…

____________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 54: 181 ـ 182.

(2) سنن ابن ماجة 1: 623 / 1936، الأخبار الطوال: 314، تاريخ اليعقوبي 2: 251 – 252، 266، تاريخ الطبري 5: 30، تهذيب التهذيب 2: 184 / 388، 187 / 338، 10: 141 / 297، 11: 316 / 600، الكامل في التاريخ 2: 135 / 3، البداية والنهاية 8: 363، سبل الهدى والرشاد (الشامي) 6: 214، تاريخ مدينة دمشق 41: 385، تهذيب الكمال 6: 548 / 1376، سير أعلام النبلاء 3: 374، فتح الباري 8: 245، ينابيع المودّة 3: 36. وأليس هو المتمثّل:

 لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزلْ

 انظر: تاريخ الطبري 8: 193، شرح نهج البلاغة 15: 178، البداية والنهاية 8: 209، الأخبار الطوال: 267.

(3) مع أنه نفسه يكفّر من يسبّ أحد المسلمين، لكنه يعود فيتغاضى عن أن يزيد نفسه كان يعلن السبّ والشتم لأمير المؤمنين عليه السلام. انظر: إحياء علوم الدين 1: 193، حياة الحيوان 2: 176

(4) كما عن ابن العربي. انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 265 ـ 266، 5: 313. وكابن تيمية الذي يرى أن يزيد لم يقتل الإمام الحسين عليه السلام، انظر: اجتماع الجيوش الإسلاميّة 1: 105، منهاج السنّة 4: 559، مجموع الفتاوى 3: 410 ـ 411، 4: 506 ـ 507، 27: 470، 479 ـ 480، 493.

(5) فقد قال عليه السلام : « أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وآله أن اُقاتل بعده الناكثين والقاسطين والمارقين ».المستدرك على الصحيحين 3: 139، 140، مسند أبي يعلى 1: 397 / 519، المعجم الكبير 4: 172.

(6) الثقات (ابن حبّان) 2: 270.

(7) المصدر نفسه.

(8) الخصال: 496، تاريخ مدينة دمشق 24: 449، الإمامة والسياسة 1: 73، وقال صلى الله عليه وآله: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». الجامع الصغير 2: 176 ـ 178.

(9) ورد في الزيارة الشريفة: « فعلى أبي العادية لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين، وعلى من سلّ سيفه عليك وسللت عليه سيفك يا أمير المؤمنين ». المزار ( المشهدي ): 278، المزار ( الشهيد الأوّل ): 83، بحار الأنوار 97: 366.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة