كشكول الوائلي _ 195

img

الثاني: النشاط الأخلاقي

لقد دأب الإمام عليه السلام أن يعلّمنا كيف يكون الانتصار على النفس، فمثلاً اُسامة بن زيد كان ممّن تخلّف عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، وسرّ تخلّفه عنه عليه السلام أنه حدثت معه حادثة عنّفه رسول اللّه صلى الله عليه وآله على أثرها، فقال: سوف لن أشهر سيفي على مسلم. وهذه الحادثة هي أن المسلمين وجدوا يوما وهم في سرية ومعهم اُسامة بن زيد رجلاً على رأس جبل ومعه غنماته، فلما رآهم نزل وقال: «أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه، وأشهد أن محمدا رسول اللّه».

وفرح بالمسلمين، فقال له اُسامة بن زيد: إنك لم تسلم، إنما رأيتنا فخفت منا، واستعذت بهذه الكلمة. ثم جرد سيفه وقتله. فلما رجعوا وأخبروا النبي صلى الله عليه وآله حزن حزنا شديدا، فقال اُسامة: إنه استعاذ، وأراد أن يتستّر بالإسلام، ولم يسلم صادقا. فقال النبي صلى الله عليه وآله: «هلا شققت عن قلبه»(1).

على خلفية شتم الصحابة

فماذا يراد من الإنسان إذا أسلم؟ إنّه ليس أكثر من إشهاره نطقه بالشهادتين، وعدم إنكاره ضرورة من ضرورات الدين. وهنا لابدّ من أن أشير إلى أنّ البعض يعتبر شتم الصحابة كفرا وفاعله كافرا؛ لأ ن عدم المسّ بصحابة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يعدّ ضرورة من ضرورات الدين، وشتم الصحابي إنكار لهذه الضرورة.

من مظاهر الخلاف بين الصحابة

ونقول: لا شكّ في أن إنكار ضرورة من ضرورات الدين يعدّ كفرا، لكن من قال: إنّ من أخطأ وشتم أحد الصحابة فقد أنكر إحدى هذه الضرورات؟ أليس الصحابة أنفسهم كانوا يشتم بعضهم بعضا؟ ألم تقل اُم المؤمنين عائشة: اقتلوا نعثلاً؛ فقد كفر(2). تعني عثمان بن عفّان؟ ألم تقع مشادّات كثيرة بين الصحابة (3)؟ فما هو الدليل على كفر من يشتم أحدهم؟ إنّ الإنسان تارة يشتم معاندةً للدليل ووقوفا بوجه القرآن، وهذا كفر صريح، لكن من يخطئ فهل يجوز تكفيره؟.

يتبع…

_____________________

(1) مسند أحمد 5: 207، صحيح مسلم 1: 67، ومثله في مسند أحمد 4: 139، غير أنه لم يسمّ اُسامة.

(2) تاريخ الطبري 3: 476، الإمامة والسياسة 1: 51.

(3) لإثبات المقام نذكر أن عمر بن الخطّاب رفع الدرة مرّة على أبي هريرة وضربه بها على رأسه وقال له: قد أكثرت الكذب. انظر شرح نهج البلاغة 4: 67.

 وحينما وقع نزاع بين الخليفة الثالث واُم المؤمنين عائشة وحفصة أيّام بوادر الثورة؛ حيث دخلتا عليه تطالبانه بميراث النبي صلى الله عليه وآله. ومنعهما ذلك بقوله: والنبي صلى الله عليه وآله يورّث؟ إذا كان يورّث فلمَ مُنعت الزهراء الميراث؟ وإذا كان لا يورّث فأي حقّ تطالبان به؟ أولستِ أنت (يعني عائشة) وهذه الجالسة جئتما معكما بأعرابي يتطهّر ببوله، وشهدتم عند أبيك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث»؟ قالت: بلى. قال: فأي ميراث تطالبين به؟ فخرجت ورفعت قميص النبي صلى الله عليه وآله وهي تقول: هذا قميص النبي لم يبلَ وقد أبلى عثمان سنته. الإيضاح: 257 ـ 258، المسترشد في الإمامة: 508، بحار الأنوار 31: 295.

كما أن علي بن أبي طالب عليه السلام شُتم (80) سنة على المنابر، بل حتى في الصلاة. تاريخ الطبري 8: 182 ـ 193.

 ونقل عن ابن عباس في تفسير الجبت والطاغوت أنه قال: الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف. انظر: تاريخ المدينة 2: 452، زاد المسير 2: 138، الجامع لأحكام القرآن 5: 248، تفسير القرآن العظيم 1: 525، فتح القدير 1: 479.

 وفوق كل هذا أن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله يخبرنا عن نكوص بعض الصحابة، وذلك في روايات لعلّ أبرزها وضوحا في هذا المقام هو قوله صلى الله عليه وآله مخبرا أن جماعة من أصحابه يحشرون يوم القيامة يختلجون دونه ـ يعني تأخذهم الملائكة ـ فيقول: « أصحابي ». فيقال له صلى الله عليه وآله: « إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك ». انظر: مسند أحمد 1: 384 وغيرها كثير، فتح الباري 11: 333 وغيرها، المصنّف (ابن أبي شيبة) 7: 415 / 35، المصنّف (الصنعاني) 11: 407 / 20855، الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) 5: 4 / 3215.

 وحينما وقعت غزوة تبوك بين المسلمين والروم، ندب النبي صلى الله عليه وآله المسلمين إلى قتالهم فتثاقلوا؛ فنزل قوله تعالى: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ التوبة: 38. انظر: مجمع البيان 5: 65 جامع البيان، المجلّد: 6 ج10: 173 / 12991.

 وكذا في قوله تعالى: ألا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ الذي يعني مجموعة من المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله. فهؤلاء صحابة لكن الله تعالى ذمّهم.

 كما أن عثمان أمر بضرب عمار، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه. الإمامة والسياسة 1: 35.

 ويروي عبد الله بن عباس رواية يبيّن لنا كيف أن الخليفة الثاني كان يعيب على بعض الصحابة أخلاقهم ويذكرهم بسوء فيسترسل حتى يقول: فقلت: يا أمير المؤمنين، فأين أنت من طلحة بن عبيد الله؟ قال: الأكتع؟ ما كان الله ليعطيها إياه، ما زلت أعرف فيه بأوا مذ اُصيبت يده، مع هَناة كانت له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله. قلت: يا أمير المؤمنين، فأين أنت من الزبير؟ قال: وعقة لقس؟ قلت: يا أمير المؤمنين، فأين أنت من عثمان؟ قال: أوّه، ووضع يده على رأسه وقال: والله لئن وليها ليحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس. تاريخ المدينة 3: 882، أنساب الأشراف 5: 16، منتخب كنز العمّال 5: 189، وليس فيها: مع هَناة كانت له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.

والهَناة هي الذنب، والذنب الذي أشار إليه عمر بن الخطاب هو أنه لمّا نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ ِلأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمؤمنينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُوءْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورا رَحِيما أمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله نساءه ألاّ يكلّمن الناس إلاّ من وراء حجاب، فقال طلحة هذا: أيحجبنا محمد عن بنات عمّنا ويتزوّج نساءنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده. الدرّ المنثور 5: 214، فتح القدير 4: 299.

 وتناجى عمر بن الخطاب وعثمان بن حنيف في المسجد، فأغضب عثمان عمر، فقبض عمر من حصى المسجد قبضة فحصب بها وجه عثمان فشجه بالحصى في وجهه وترك بها آثارا من شجاج. فلما رأى عمر كثرة تسرّب الدم على لحيته، قال: أمسك عنك الدم. تاريخ المدينة 2: 691.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة