كشكول الوائلي _ 191

img

محاولات طمس فضائله عليه السلام

لكنه عليه السلام لم يسلم من أقلام السوء المأجورة وهي تحاول أن تغطّي ذلك النور المنبثق من القرآن الكريم بحقّه، وكل ذلك تحت رعاية ونظر الاُمويّين والعباسيّين الذين حاولوا طمس هذا الواقع وتحريفه عبر شراء ذوي الأقلام الرخيصة والحناجر المبتذلة من وعّاظ السلاطين. لكن كل ذلك لم يفلح، ولم تنتج هذه المحاولات، ولم تستطع أن تهزّ ذرّة واحدة من كيانه عليه السلام، يقول أحد الاُدباء:

سلوا النفس قد طافت عليها عوالم *** أهل وجدت للجوهر الفرد ثانيا

وهل متناهي اللفظ يتبعه الثنا *** ليحمل معنى منك لا متناهيا

ولكنها الألفاظ مهما تناسقت *** إذا لم تزفّ المدح عادت هجائيا

إلى أن يقول:

وما مدحتي توليك فخرا وإنّما *** أردّ بإطرائي عليك الطواريا

إذا الملأ الأعلى تحدّد بالثنا *** عليك فما شأني وشأن ثنائيا

فإذا كان القرآن الكريم يغرّد بذكر عليّ عليه السلام ليلَ نهارَ، فما شأن مدحة مادح من أهل الأرض؟ إنّ هذا السيّد العظيم قد احتلّ مساحة واسعة من مدح القرآن الكريم، فلا يمكن أن يمدحه أحد آخر بمدح فوق مدحه، ولا يكون مدحه حينئذٍ شيئا حيال مدح القرآن الكريم. ومما يروى في هذا المجال أن معاوية كتب كتابا لعمرو بن العاص في واقعة صفّين يستدعيه، وقال له فيه: أما بعد فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك… وقد حبست نفسي عليك، فأقبل اُذاكرك اُمورا لا تعدم صلاح مغبّتها.

فلمّا جاءه قال له: ما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك. فقال: مصر طعمة. فتلكأ عليه معاوية وقال له: يا أبا عبد الله، إني أكره لك أن تتحدّث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا. فقال عمرو: دعني عنك.

ثم لمّا أخذ معاوية منه مصر وأعطاها لعبد العزيز بن مروان والد عمر بن عبد العزيز، كتب إليه قصيدته الجلجليّة المشهورة:

معاويةُ الفضلَ لا تنسَ لي *** وعن موطن الحقّ لا تعدلِ

نسيتَ محاورةَ الأشعري *** ونحنُ على دومةِ الجندلِ

ولولاي كنت كمثل النساء *** تخاف الخروج من المنزلِ

تبعناك من جهلنا يابن هند *** على البطلِ الأعظمِ الأفضلِ

وحيث تركناك أعلى النفوس *** نزلنا إلى أسفلِ الأرجلِ

وإن كان بينكما نسبةٌ *** فأين الحُسامُ من المنجلِ

وأين الثريا وأين الثرى *** وأين معاوية من علي

إلى أن يقول:

وأعطيت مصر لعبد العزيز *** وأعطيتني زِنة الخردلِ(1)

وموضع الشاهد هنا أن ما اُوتي هذا الرجل العظيم من مناقب ومفاخر وفضائل مما طوّقه به القرآن الكريم والسنة النبوية المشرّفة، ومما يصدح به واقعه المشرّف على ألسنة أعدائه يلوي الأعناق إليه وإن تغافل عنه المتغافلون، وسيبقى ألقا ونورا ومشكاة تضيء وجه الدنيا وصفحة العالم؛ سواء رمقته العيون أم لم ترمقه.

يتبع…

_______________

(1) شرح نهج البلاغة 2: 61 – 66. قال ابن أبي الحديد: قال شيخنا أبو القاسم البلخي: قول عمرو له: «دعني عنك»، كناية عن الإلحاد، بل تصريح به، أي دع هذا الكلام لا أصل له؛ فإن اعتقاد الآخرة أنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات. وقال: وما زال عمرو بن العاص ملحدا، ما تردّد قط في الإلحاد والزندقة، وكان معاوية مثله، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار».

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة