كشكول الوائلي _ 190

img

محاولات التشكيك في نسبة (نهج البلاغة)

إنّ كتاب (نهج البلاغة) هوأهمّ مؤلّفات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وقد استأثر باهتمام عامة الناس وخاصّتهم من علماء واُدباء وغيرهم؛ شرحا وإثباتا ونفيا، فلم تترك الأقلام المشبوهة هذا الكتاب وشأنه، بل نجد أ نّه بين فترة واُخرى يطلّ علينا كاتب يدّعي أنّه ليس لأمير المؤمنين عليه السلام، بل إنّه من وضع غيره ثم نُسب إليه. وهذا مردود بأنّ أي أديب متمرّس يعرف بمجرّد قراءته أنه لأمير المؤمنين عليه السلام، وأنّه من كلامه؛ فكلامه عليه السلام واضح بيّن لا يستطيع أحد أن يجاريه فصاحة وبلاغة(1).

ويبقى (نهج البلاغة) يصدح باسم أمير المؤمنين عليه السلام مهما سلطت عليه وضدّه الشبهات، وتظل هذه الشبهات تنحسر عنه بمجرّد أن ترتطم به. ثم إنّ من نسبوا إليه كتابته ـ وهو الشريف الرضي ـ أجلّ وأشرف من أن يفتري ويكذب وينسب لعلي عليه السلام ما ليس له. يقول أحد الاُدباء:

غير أن النفسَ اللئيمةَ تهوى *** أن يغطّي الحقائقَ التضليلُ

زعموه نهجَ الرضي ومهلاً *** أين من هادر الفحول الفصيلُ

كلُّ فصلٍ أبو ترابٍ به يبــ *** دو فتهتزّ بالهديرِ الفصولُ

فكل مقطع من هذا الكتاب يُستشفّ منه نفس عليّ عليه السلام، وترى بصماته واضحة عليه؛ فخبرته عليه السلام وأداؤه متميّزان لا يتمكن أحد من أن يضاهيهما أو يحاكيهما.

المبحث الخامس: علي عليه السلام في القرآن

لقد مدحه القرآن الكريم في ثلاثمئة آية، وإن كان محلّ اتفاق المفسرين سبعين آية، وهذه الآيات التي تناولته إمّا بصورة مباشرة لوحده، أو بصورة ضمنيّة مع آخرين. وهذا المجموع من الآيات يعدّ رصيدا ضخما لم يبلغه أحد غيره.

فمن الآيات التي ذكرته ضمنا آية التطهير(2) حيث ذكرته مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسنين عليهم السلام. ومن الآيات التي اختصّت به واختصّ بها آية النجوى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(3). وقوله تعالى: لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ(4). وقوله تعالى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(5). وهكذا نجد أنّ ذكره عليه السلام مبيّنا في صفحات القرآن الكريم، واحتلّ مساحة كبيرة من مجال صدحه وذكره.

يتبع…

______________________

(1) قد مرّ هذا المبحث والردّ عليه في محاضرة (تحريف القرآن) ج 4 من موسوعة محاضرات الوائلي.

قال ابن أبي الحديد: «وأمّا الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء وسيّد البلغاء… وكلامه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين. ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة؛ قال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت. وقال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة، حفظت مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب عليه السلام. ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس، قال له: ويحك! كيف يكون أعيا الناس؟ فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره». انظر: شرح نهج البلاغة 1: 24 – 25،طبقات الحنابلة 2: 120.

(2) هي قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا الأحزاب: 33؛ ففي كتب الصحاح الأسانيد وغيرها بعدّة طرق أن النبي صلى الله عليه وآله كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر، فيقول: « الصلاة يا أهل البيت »، ثم يتلو هذه الآية الشريفة. انظر: مسند أحمد 3: 258 ـ 259، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 31، شواهد التنزيل 2: 19، تهذيب الكمال 53: 250، سير أعلام النبلاء 2: 133.

(3) المجادلة: 12.

(4) الحاقة: 12، حيث إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : «إن الله أمرني أن اُدنيَك ولا اُقصيَك، وأن اُعلّمك وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي». فنزلت هذه الآية الشريفة.

 وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله قرأ هذه الآية الشريفة، ثم التفت إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقال له: «سألت الله أن يجعلها اُذنك». قال أمير المؤمنين عليه السلام : «فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه وآله فنسيته». انظر: جامع البيان 29: 69 / 26954، تخريج الأحاديث والآثار 4: 84، كنز العمال 13: 177 / 36525، شواهد التنزيل 2: 365 / 1011، 368 / 1013، 368 ـ 369 / 1015، 371 – 372 / 1019، 374 – 375 / 1023 – 1024، المواقف 3: 627.

(5) الرعد: 7، حيث إنه لمّا نزلت هذه الآية الشريفة وضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده الشريفة على صدره وقال: «أنا المنذر ولكلّ قوم هاد». ثم أومأ بها إلى منكب أمير المؤمنين عليه السلام وقال «أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي». جامع البيان 13: 142، المستدرك على الصحيحين 3: 129 – 130، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تفسير ابن أبي حاتم 7: 2225 / 12152، شواهد التنزيل 1: 383 / 399، 384 ـ 387 / 400، 388 / 408، تفسير القرآن العظيم 2: 520، الدر المنثور 4: 45.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة