استشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

img

قال الله تعالى: ﴿فَاسْألوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُم لا تَعْلَمونَ﴾.

انطلاقاً من هذه الآية المباركة نتحدث في عدة نقاطٍ ترتبط بالإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه وهي كما يلي:

 ١) ما معنى الذِّكْرِ في القرآن الكريم؟

 ٢) لماذا كان عليٌّ× يُحِيلُ كثيرًا مِمَّن يسألونه على ولده الحسن المجتبى×؟

 ٣) مَنِ الذي كان يسألُ الإمام الحسن المجتبى×؟

 ٤) هل انحصرت الأسئلة التي وُجِّهت إلى الحسن في عِلْمٍ واحد أم في عدَّة علوم؟

الذِّكْرُ في القرآن الكريم له عدة معانٍ وهي ما يلي:

أ) الذِّكْرُ بمعنى القرآن: قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

ب) الذِّكْرُ بمعنى الصَّلاة: قال الله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ﴾.

ج) الذِّكر بمعنى البيان: قال الله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾.

 قال ابن عباس: «ذِي الذِّكر: أي ذي البيان».

د) الذِّكْرُ هو رسول الله: قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ﴾.

ذِكْرًا: هو رسول الله‘.

هناك عدة أسباب في إحالة أمير المؤمنين× تلك المسائل على ولده الحسن المجتبى× نقتصر على ذِكْرِ بعضها مع  الإيضاح ببعض الشواهد كما يلي:

 السبب الأول: للتأكيد العملي على أنَّ عِلْمَ الإمامةِ لا يختصُّ بأمير المؤمنين× بل هو موجودٌ عند الحسن المجتبى×.

 السبب الثاني: لِيُبَيِّنَ أمير المؤمنين× أنَّ الحسن× على صِغَرِ سِنِّهِ يتغلَّب على كبارهم وعلمائهم.

 السبب الثالث: للنَّصِّ العملي على إمامة الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه.

وإليكَ تفصيل الكلام حول هذه الأسباب الثلاثة بالبيان والإيضاح كما يلي:

١) للتأكيد العملي على أنَّ عِلْمَ الإمامة لا يختصُّ بعليٍّ×: كان أمير المؤمنين× يُواصِل إظهارَ علومه التي اختصَّه الله ورسوله بها دونَ كلِّ أحدٍ، ويُظهر للناس خوارق العادات، وقد أبقى هذا الأمر دائم الحضور في أذهان الناس ماثلًا أمام أغينهم، ولكن السلطة كانت تبذل محاولاتها للتشكيك بصحة أو بدقة تلك العلوم، أو بحقيقتها، ولو بوضعها في خانة السحر في بعض الأحيان كقضية كشف أمير المؤمنين× عن بَصَرِ أبي بكر حتى رأى رسول الله‘ والقصة مذكورة في عدة مصادر منها ما يلي:

أ) كتاب الاختصاص للمفيد ص٢٧٢.

ب) كتاب المختصر للحلي ص٣٧.

ج) كتاب الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص٢٠٧.

تمامًا كما اِتَّهم بعض المكابرين من المشركين رسول الله‘ بذلك كما صرَّح القرآن الكريم، فمسَّت الحاجة إلى التأكيد العملي على أنَّ علم الإمامة لا يختص لأمير المؤمنين× بل هو موجودٌ لدى الحسن× بالرغم من صِغر سنه فكان أمير المؤمنين× في العديد من الموراد والمناسبات يُرجع المشكلة إلى الإمام الحسن×.

٢) ليُبين أمير المؤمنين للناس أنَّ الحسن على صغر سنه يتغلَّب على كبارهم: فإنَّ المعصوم× لا يُفرَّق عنده صغر السن أو كبره فهم في بطون أمهاتهم علماء حُكماء ولذلك يقول بعض الشعراء:

هم نجومٌ إلى النُّجوم اهتداءُ

وشموسٌ إلى الشُّموس اقتداءُ

كم بأنبائها أتتْ أنبياءُ

علماءٌ أئمةٌ حكماءٌ

يهتدي النَّجمُ باتِّباع هُداها

٣) للنصِّ على إمامة الحسن المُجتبى: فإنَّ النُّصوص على إمامة المعصوم× على قسمين وهما ما يلي:

أ) نصوص قوليَّة: وقد نصَّ أمير المؤمنين× على إمامة ولده الحسن المجتبى× بالنُّصوص القولية ومنها ما روي في كتاب الكافي ج٦ ص٣٣ أن عليًّا× قال للحسن×: «يا بُني أنت وليُّ الأمر ووليُّ الدَّم فإنْ عفوت فلك وإنْ قَتَلْتَ فضربة مكانَ ضربة ولا تأثم».

ب) نصوص عمليَّة: وهي عبارة عن الأسئلة التي وُجِّهت للإمام الحسن× والذي وجَّه أسئلة للإمام الحسن× هم:

 أ) أمير المؤمنين×.

 ب) الخضر×.

 ج) سائر الناس يسألون عليا وهو يحيلهم على الحسن.

وإليك مثال على كلٍّ مما سبق:

أ) أمير المؤمنين يسأل ولده الحسن: رُوِي في العقد الفريد ج٦ ص٢٦٨ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٣٥٧: سأل أمير المؤمنين ولده الحسن× كم بين الإيمان واليقين؟ قال: «أربع أصابع» قال: كيف ذلك؟ قال: «الإيمان كل ما سمعته أذناك وصدقه قلبك، واليقين ما رأته عيناك فأيقن به قلبك، وليس بين العين والأذنين إلا أربع أصابع».

ب) الخضر يسأل الإمام الحسن: رُوِيَ في كتاب إثبات الوصية ص١٥٧، ١٥٨: جاء رجل إلى أمير المؤمنين× فسأله عن ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: إذا نام الرجل أين تذهب روحه؟

المسألة الثانية: عن الرجل كيف يذكر وينسى؟

المسالة الثانية: عن الرجل كيف يشبه الأعمام والأخوال؟

فأحاله أمير المؤمنين على ولده الحسن× وقال: «إن روح الرحل إذا نام متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإن أذن الله عز وجل برد تلك الروح إلى صاحبها جذبت تلك الروح الريح، وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت الروح فأسكنت في بدن صاحبها، وإنْ لم يأذن الله عز وجل برد تلك الروح إلى صاحبها جذب الهواء الريح، وجذبت الريخ الروح، فلم ترد إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأما ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في حق وعلى الحق طبق، فإن صلى الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة، انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب وذكر الرجل ما نسيه وإنْ هو لم يصل على محمد وآل محمد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فأظلم القلب ونسي الرجل ما كان ذكر.

وأما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله فإن الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فأسكنت تلك النطفة في جوف الرحم خرج الولد يشبه أباه وأمه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت تلك النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الرجل أخواله».

 فأسلم الرجل لما سمع الجواب من أبي محمد الحسن×.

وهذا مُتَّبَعٌ عند الأنبياء كما في قصة سليمان× طلب عرش بلقيس ليبيِّنَ منزلة وصيِّهِ آصف بن برخيا فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.

وكذلك أمير المؤمنين× استخدمَ النصوص العمليَّة للنص على إمامة ولده الحسن المجتبى× فقد رُوِيَ في كتاب القصاص للفقهاء والخواص في مرفوعة علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله الصادق× قال: أُتِيَ إلى أمير المؤمنين× بِرَجُلٍ وُجِدَ في خَرِبَةٍ وبيدهِ سِكِّينٌ مُلطَّخٌ بالدَّم وإذا رجلٌ مذبوح يتشحَّط في دمه فقال له أمير المؤمنين×: «ما تقول؟» قال: أنا قتلته. قال: «اذهبوا به فأقِيدوه به فلمَّا ذهبوا به أقبل رجلٌ مُسرِعٌ» وقال: أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين×: «للأول: ما حملك على إقرارك على نفسك؟» فقال: وما كنتُ أستطيع أنْ أقول وقد شهد عَلَيَّ أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني وبيدي سكِّين مُلطَّخ بالدَّم والرَّجل يتشحَّط في دمه وأنا قائم عليه خِفتُ الضَّرب فأقررتُ وأنا رجلٌ كنتُ ذبحتُ بجنبِ هذه الخَرِبة شاة وأخذني البول فدخلتُ الخربة فرأيتُ الرَّجل متشحطًا في دمه فقمتُ متعجبًا فدخل على هؤلاء فأخذوني، فقال أمير المؤمنين×: «خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن× وقولوا له: ما الحكم فيهما؟» قال: فذهبوا إلى الحسن× وقصُّوا قصَّتهما، فقال الحسن×: «قولوا لأمير المؤمنين×: إنْ كان هذا ذبح ذاك فقد أحيا هذا وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾  يُخلَّى عنهما وتُخرَج دية المذبوح من بيت المال».

وهذه الرواية اختلف فيها فقهاؤنا على قولين وهما ما يلي:

القول الأول: هو قول المشهور وهو أنه لو أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول في إقراره دُرِئَ عنها القصاص والدِّية وودِي المقتول من بيت المال، ونسبه صاحب الجواهر إلى المشهور بل عن السيد المرتضى في كتابه الانتصار الإجماع على ذلك.

القول الثاني: أنَّ هذه قضية في واقعة لا يمكن التمسك بها على نحو الإطلاق كما قاله المشهور فإنَّ المجتبى× احتمل أن يكون أقراره لنحاة المتهم الأول ولذا قال×: «إنْ كان هذا ذبح ذاك فقد أحيا هذا».

فإنَّ هذا الكلام من المجتبى× يدل على ترديده في قتله ولذا حكم بأنَّ الدِّية من بيت المال كما أنَّ القاعدة كذلك في كل ما لم يعلم القاتل.

حسين آل إسماعيل (استشهاد الإمام الحسن المجتبى×)

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة