كشكول الوائلي _ 187

img

المبحث الرابع: عطاءاته عليه السلام

العطاء الأوّل: رصيده عليه السلام من الهجرة

لقد كان له عليه السلام هجرتان:

الأُولى: هجرة الطائف

فقد كان عليه السلام يخرج خلف رسول اللّه صلى الله عليه وآله حينما كان يذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام والإيمان بعد رفض قريش دعوته، فكان أهل مكة يدفعون جهّالهم وأطفالهم ليرموه بالحجارة التي كانت تأخذه يمينا وشمالاً حتى تدمى قدماه الشريفتان. وعندها اضطرّ صلى الله عليه وآله للخروج إلى الطائف، ولم يكن موقف أهل الطائف بأحسن من موقف أهل مكّة، فكانوا يسلطون عليه أطفالهم بالحجارة يرمونه بها؛ ولذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يخرج معه ليدفع عنه شرّهم وآذاهم.

مغالطات المؤرّخين فيما يخصّ أمير المؤمنين عليه السلام

والغريب من بعض المؤرّخين أنهم حينما يمرّون بمنقبة له عليه السلام أو فضيلة يحاولون نسبتها إلى غيره أو سحبها لذلك الغير(1). ومن هذه الموارد:

1 ـ هجرته عليه السلام إلى الطائف

فبعض المؤرّخين يقولون: إنّ الذي كان يخرج مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله هو اُسامة ابن زيد(2)، وليس أمير المؤمنين عليه السلام الذي ذكر ابن أبي الحديد أنه عليه السلام كان معه(3).

2 ـ توكّؤ رسول اللّه صلى الله عليه وآله على كتفه

وكذلك نحن نروي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله خرج في مرضه من بيت إحدى نسائه،وكان صلى الله عليه وآله متوكّئا بيد على منكب الفضل بن العباس، وبيده الشريفة الاُخرى على منكب أمير المؤمنين عليه السلام. أمّا الطرف الآخر فيروي أنّه صلى الله عليه وآله كان يتوكّأ على منكب الفضل بن العبّاس بيد وبالاُخرى على منكب رجل آخر. فهم لا يطيقون حتى ذكر اسمه عليه السلام.

3 ـ حامل لواء المسلمين في اُحد

وفي هذا المضمار يروي ابن شهاب فيقول: وحمل لواء المسلمين يوم اُحد رجل منهم، فلا يطيق ذكر اسم علي عليه السلام حامل اللواء يومها.

فالتشنّج الذي يحمله البعض إزاء أمير المؤمنين عليه السلام، ويجعلهم لا يطيقون ذكر اسمه من الطبيعي أن يحملهم على رفض فكرة أنه صاحب الهجرة إلى الطائف مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله درعا له وحماية، بعد أن اضطرته حجارة قريش إلى أن يخرج إليها. وهناك وقف له أهل الطائف ثلاث فرق، وقال له أحد رؤسائهم: أما وجد اللّه نبيا غيرك يبعثه؟ فأغضى النبي صلى الله عليه وآله عنه؛ فالسكوت أحيانا يكون أبلغ جواب. وقال له الآخر: أنت يتيم أبي طالب، وتريد أن تسود العرب؟ ألا يسرق ثياب الكعبة إن كان اللّه بعثك؟ ولم يجبه النبي صلى الله عليه وآله أيضا. والتفت له الثالث فقال: أنت بين أمرين: إما أن تكون نبيّا، وإما أن تكون كذّابا، فإن كنت نبيّا فأنت أكبر من أن اُكلّمك، وإن كنت كذّابا فأنا أكبر من أن اُكلّمك.

ثم أشاروا إلى أطفالهم فأخذته الحجارة من كلّ جانب ومكان حتى أدمته، فرفع صلى الله عليه وآله رأسه إلى السماء وقال: « اللهم إني أشكو إليك ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، لمن تكلني؟ إلى عبد يتجهّمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا اُبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلاّ بك»(4). وهذه هي الهجرة الاُولى.

الثانية: هجرته عليه السلام إلى المدينة

وهذه الهجرة تشكّل رقما يلوي الأعناق، ويشدّ العيون إليه شدّا، لأنّه تحدّى كبرياء قريش وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وخرج بالفواطم (فاطمة الزهراء عليه السلام، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب) إلى المدينة قائداً لظعينة رسول اللّه صلى الله عليه وآله. وكان قد تحدّاهم في وضح النهار قائلاً: «هذه ظعينة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنا خارج بها، ومن أحبّ منكم أن يتبعني فليفعل».

وخرج لظعينته يحميها وهو ماش ٍ على قدميه، فقد ذكر المؤرّخون أن قدميه قد تشقّقتا؛ إذ لم يرضَ عليه السلام أن يركب على راحلة؛ طلبا لمرضاة اللّه تعالى ومرضاة رسوله، إلى أن أخذت الأرض من قدميه مأخذها، وحتى تشقّقتا، وظهرت فيهما القروح، فتلّقاه رسول اللّه صلى الله عليه وآله يبارك قدمين سعتا في سبيل اللّه، ويدا ذادت عن عيال رسول اللّه صلى الله عليه وآله، فاحتضنه ومسح على رجليه واعتنقه وأبى أن يدخل إلى دار هجرته إلاّ وساعده بساعد علي عليه السلام (5).

يتبع…

__________________

(1) من قبيل ادّعاء ابن تيمية أن آية التطهير وهي قوله تعالى: إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا الأحزاب: 33 لم تنزل فى أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: اتّفق أهل العلم على أن هذا كذب. منهاج السنة 4: 259.

 وكذلك من قبيل ادّعائه أن سورة هَلْ أَتَى عَلى الإنْسان لم تنزل فيه وفي فاطمة الزهراء وابنيهما عليهم السلام. مجموع الفتاوى 4: 419.

 وادّعائه أنه ليس في الصحيح من أخبار مدح أمير المؤمنين عليه السلام ما يدل على إمامته ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر، بل وليست من خصائصه وإنما هي فضائل شاركه فيها غيره بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر فإن كثيرا منها خصائص لهما لا سيما فضائل أبي بكر فإن عامّتها خصائص لم يشركه فيها غيره. منهاج السنة 5: 7 ـ 5.

 انظر كل هذا مفصّلاً مع ردّ ابن الجوزي عليه في ج3 ص237 ـ 238 من موسوعة محاضرات الوائلي.

(2) انظر: بحار الأنوار 19: 22 عن الكازروني، الاستيعاب 1: 40، الطبقات الكبرى 1: 211، اُسد الغابة 1: 20.

(3) شرح نهج البلاغة 4: 127.

(4) انظر: مناقب آل أبي طالب 1: 61، مجمع البيان 9: 154، تاريخ اليعقوبي 2: 36 ـ 37، تاريخ الطبري 2: 80، السيرة النبوية (ابن هشام) 2: 286، السيرة النبوية (ابن كثير) 2: 15، الجامع لأحكام القرآن 16: 211.

(5) شجرة طوبى 1: 64 ـ 66.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة