كشكول الوائلي _ 180

img

رواية تأبير النخل

وهو صلى الله عليه وآله إضافة إلى أنه كان ينزل إلى الساحة ويتولّى قضايا الحرب بنفسه، وأنه ذو دور هامّ وكبير في شحذ الهمم، فالجيش الذي يرى قائده أمامه في لهوات الحرب يستميت ويقاتل إلى آخر قطرة من دمه. وهكذا تشير الآية الكريمة إلى مواطن الإبداع والحكمة في سيرته صلى الله عليه وآله، فهو صلى الله عليه وآله كلّه إبداع وحكمة، نجده يلج الحياة فيعلّم أصحابه كيف يتعاملون مع اُسرهم وأبنائهم في بيوتهم، وما هي الكيفية التي يجب أن تكون عليها أخلاقهم معهم، بل ويضع منهجا كاملاً واضحا لتعامل الرجل مع زوجته في مضجعه(1). ومع كل هذا يروي عنه المحدّثون رواية غريبة في بابها، هي أنّ المسلمين دخلوا عليه صلى الله عليه وآله وقالوا له: يارسول اللّه، نريد أن نؤبّر نخلنا. فقال صلى الله عليه وآله: « لو لم تفعلوا لصلح ». فخرج شيصا، فمرّ بهم فقال: « ما لنخلكم؟ ». فقالوا: قلت كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وآله: « أنتم أعلم باُمور دنياكم »(2).

أفعال الجبلّة

ويلاحظ أنّ من المستحيل قبول هذه الرواية؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله مسدّد من السماء، فيجب الاقتداء به في كلّ أقواله وأفعاله عدا ما يسمى بـ « أفعال الجبلّة »، وهي الأشياء الطبيعيّة التي منها الأكل والشرب وغيرهما، فليس من الضروري الاقتداء به صلى الله عليه وآله فيها؛ لأنها ترجع إلى البشر أنفسهم وإلى جبلّتهم. وهذا التصرّف ليس من أفعال الجبلّة؛ فرسول اللّه صلى الله عليه وآله ليس من جبلّته أن يقول لأصحابه: لا تلقّحوا نخيلكم. ولأجل هذا نجد أنّ المحققّين يغلقون باب الاجتهاد عليه صلى الله عليه وآله ويصرّحون بأ نّه (صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى آله) لا يقول إلاّ بما تأمره به السماء؛ فلن يبتعد عن الحقّ والحقيقة، فكان صلى الله عليه وآله يتدخّل في اُمور الزراعة والصناعة والاقتصاد، فيوجّه أصحابه إلى الصواب في أعمالهم. وهذا يدلّ على أنّ السماء أرادت أن تصوغه صلى الله عليه وآله في منتهى الكمال، قال حسّان بن ثابت:

وأحسن منك لم تر قط عيني *** وأجمل منك لم تلد النساء

 خلقت مبرأ من كل عيب *** كأنك قد خلقت كما تشاء(3)

وهكذا كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله يبوّئ المؤمنين مقاعدهم للقتال ليؤدّي كل واحد منهم دوره الذي رسمه له صلى الله عليه وآله.

يتبع…

_______________

(1) انظر مكارم الأخلاق: 208 ـ 218.

(2) الانتصار ( العاملي ) 4: 47، صحيح مسلم بشرح النووي 15: 116، الإحكام في اُصول الأحكام ( ابن حزم ) 5: 704. وفي حديث آخر: « إنما ظننت ظنا؛ فلا تؤاخذوني بالظن ». وفي غيره: « إنما أنا بشر؛ فما حدّثتكم عن الله فهو حقّ، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر اُخطئ واُصيب ».

(3) المستطرف في كل فن مستظرف 1: 429، 2: 29.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة