الدَّرس الثَّاني: العمل بدون تقليد

img

قال السيد الخوئي قُدِّس سرُّه الشَّريف: «عَمَلُ العَامِّي بلا تقليد ولا احتياط باطلٌ، لا يجوز له الاجتزاء به إلا أنْ يعلمَ بمطابقته للواقع أو لفتوى مَنْ يجبُ عليه تقليده فِعلاً».

انطلاقًا مِن هذه المسألة نتحدث حول النِّقاط التالية:

١) ما المُراد بكلمة عَمَل؟

٢) ما المُراد من لفظ العامي؟

٣) ما المُراد مِن البُطلان؟

٤) كيف يعلم بالمطابقة للواقع؟

٥) هل كل عمل لا يطابق الواقع يكون باطلا؟

٦) لماذا تصح الأعمال التي توافق فتوى مَن يجب عليه تقليده فعلًا ولا تصح الأعمال لو وافقت المرجغ السابق؟

المُراد بكلمة عَمَل أمران وهما ما يلي:

أ) عَمَلٌ عِبادي: ومِنَ الأمثلة عليه ما يلي:

المثال الأول: لو صلى صلاةً  ناقصة بعض الشرائط.

المثال الثاني: لو صام صيامًا ارتكب فيه مفطِّرًا أو أخلَّ فيه بالنِّيَّة.

المثال الثالث: لو حجَّ فطاف طواف عمرة التمتع بغير طهارة.

ب) عَمَلٌ غير عِبادي: ومِنَ الأمثلة عليه ما يلي:

المثال الأول: لو أجرى معاملة اشتملت على الرِّبا.

المثال الثاني: لو أجرى معاملة مع غير البالغ.

المثال الثالث: لو باع شيئا محرَّمًا شرعًا.

وأمَّا لفظ العامِّي فإنَّه يُطلَق على معنيين وهما ما يلي:

أ) المعنى الأول: يُطلق على كلِّ شخصٍ لا يُوافقنا في المَذهب والمقصود بهم أبناء العامَّة وفي قِبَالِهم أبناء الخاصَّة وهم أبناء الإمامية.

وأئمتنا صلوات الله عليهم كانوا يُعبِّرون عنهم بألفاظ معينة وهي ما يلي:

١) العامة: وقد وردت عدة روايات تشتمل على هذا اللفظ منها ما جاء في مقبولة عَمْرو بن حنظلة قال: «ما خالف العامَّة ففيه الرَّشاد».

٢) القوم: قيل للعبد الصالح موسى بن جعفر×: «يُروَى عن أبي عبد الله× شيء، ويُروَى عنه خِلافه فأيّهما نأخذ؟ فقال×: خُذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه».

ب) العامِّي: هو مَنْ لم يبلغ درجة الاجتهاد.

وقد ورد هذا اللفظ في الروايات منها ما رُوِي عن أبي عبد الله× قال: «فأمَّا مَنْ كان من الفقهاء صائنًا لنفسه خافظًا لدينه مُخالفًا لِهواه مُطيعًا لأمر مولاه فللعوام أنْ يُقلِّدوه».

والعَامِّي على قِسمين وهُما ما يلي:

أ) العامِّي المحض: الذي ليست له أي معرفة بمدارك الأحكام الشرعية.

ب) العامِّي غير المحض: مَن له حظ من العلم ومع ذلك لا يقدر على الاستنباط.

والبُطلان على قسمين وهما ما يلي:

أ) البُطلان الواقعي: والواقع لا يعلمه إلا الله والرَّاسخون في العِلم وهم محمد وآل محمد وهذا النوع من البطلان ليس هو المقصود هنا.

ب) البُطلان الظَّاهري: وهو المقصود هنا يعني البطلان في نظر العقل بمعنى عدم جواز الاكتفاء بالعمل ما لم ينكشف مطابقته للواقع أو لرأي مَن يجوز تقليده فِعلًا.

والمراد بالواقع أي واقع الوظيفة من خلال كتب الفتاوى.

وأمَّا كيفية علم الشخص بمطابقة عمله للواقع فيتم بعدَّة أمور منها ما يلي:

١) في التعليقات على العروة الوثقى يوجد إيضاح لمطابقة العمل للواقع: مثلا لعلم النحو واقع مثل الفاعل مرفوع والقضاء له واقع البينة العادلة وعدالة الشهود فلو كان عمله مطابق لهذا الواقع فعمله صحيح.

٢) بمراجعة الفقهاء في العمل: فلو تبين له موافقة عمله للواقع صح العمل.

٣) بموافقة العمل للاحتياط:  فإذا وافق العمل الاحتياط فقد طابق الواقع فيصح ومِنَ الأمثلة على ذلك ما يلي:

المثال الأول: لو كان المكلف يغتسل غُسل الجمعة ويتوضأ قبل الصلاة.

المثال الثاني: لو كان المكلف يأتي بالسورة بعد الفاتحة، وبجلسة الاستراحة وبكل ما يحصل الخلاف فيه بين الفقهاء.

المثال الثالث: إذا كان مَنْ يجب تقليده يُوجب الثلاث تسبيحات وهو لا يقلد ولا يحتاط وإنما أتى بها من أجل فعل أبيه مثلا ثم تبيَّن أنَّ وظيفته هي كذلك فهو مُجزٍ.

٤) كما لو اجتهد ذلك الشخص: وهناك استفتاء في كتاب صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات حول ذلك وهو ما يلي:

ذكرتم أنَّ عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل، إلا أنْ يعلم بمطابقته للواقع أو لفتوى مَن يجب عليه تقليده فعلًا فهل إنَّ مرادكم مِن الواقع هو حكم الله الواقعي؟ وإذا كان كذلك فَمِنْ أين يمكن للعامي معرفة ذلك مع أنَّ حكم الله الواقعي موجود عند صاحب الزَّمان×؟

أ) السيد الخوئي: يمكن للعامي أنْ يأتي بعملٍ جامع لجميع ما يحتمل دخله في صحة عمله واقعًا، وبعنوان الاحتياط وإنْ لم يعلم بما هو دخيل بعينه ولم يكن قلد فيه أحدًا، فيقطع في مثله بمطابقته للواقع حيث لم يخل بما يحتمل دخله في واقعه.

ب) الشيخ التبريزي: يمكن للعامي الذي لم يقلد ولم يحتط أن يعلم بمطابقة عمله للواقع كأنْ يُصبح مجتهدًا بعد ذلك، وقد عمل برهة من الزمن برجاء مطابقة عمله للواقع ولم يحتط ولم يقلد، كما لو اقتصر في مورد دوران الأمر بين القصر والتمام ثم اجتهد بعد ذلك فرأى أنَّ عمله مطابق لمقتضى الأدلة، أو راجع فتاوى العلماء فرأى أنهم يُفتون جميعا بذلك فقطع بمطابقة عمله للواقع.

٥) كما لو رأى المعصوم× فأخبره بمطابقة عمله للواقع ولكنه فرض بعيد عمليا.

وتُقسم الأعمال التي وقع فيها البُطلان إلى قسمين:

١) أعمال فاقدة لبعض الأركان: وهذه تبطل ويجب إعادتها تامة الشرائط والأركان.

٢) أعمال فاقدة لواجبات غير ركنية: وهذه تصح.

 وتصحُّ الأعمال التي توافق مَن يجب عليه تقليده فعلًا لتمامية حجيته. ولا تصح الأعمال التي توافق المرجع السابق لانقطاع حجيته بالموت.

حسين آل إسماعيل

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة