كشكول الوائلي _ 174

img

الحرية الدينية في التشريع الإسلامي

لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُوءْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى(1).

مباحث الآية الكريمة

المبحث الأوّل: العقيدة ضرورة حياتية عند الإنسان

هناك مجموعة من الحرّيات التي تكفلها الشرائع السماوية والقوانين الإلهية للإنسان، وفي طليعة هذه القوانين حرية المعتقد؛ فالإنسان لا يمكن أن يعيش من غير عقيدة يعتقدها أو دين يدين به. ولو تتبّعنا التنقيبات الأثريّة عن الاُمم السابقة والحضارات البائدة فإننا سنجد من خلال الحفريات أن كل منطقة مأهولة عند هذه الاُمم والحضارات ربما كانت تخلو من مستشفى أو ملعب أو مكان للمصارعة، لكن من غير الممكن ألاّ نجد فيها آثارا لمعبد كان يرتاده أبناء تلك الحضارات القديمة (2). فالمعبد كان أمرا ضروريا للإنسان من القدم يسير معه في رحلته في الحياة؛ لأنّ الإنسان في أصل فطرته يمتلك شعورا ـ أو يتوفّر عليه ـ بأنّه لابدّ من وجود قوة خفية تحميه، وجهة ما تمتلك القدرة والقوّة والقابلية على أن تتحكم في حياته ومصيره وتوفّر له الحماية من شرور قوى الشرّ التي كان يرى أنّها موجودة في كل مكان. وهذه القوّة الخفيّة لها القابلية المطلقة على أن تؤثّر عليه بصورة مباشرة.

حدود الحرية الدينية

وما يعبده الإنسان يختلف من حضارة لاُخرى، ومن اُمّة لاُمّة، ويناط ذلك الاختلاف بمستوى تفكير أبناء الحضارات وقابلياتهم على فهم الحقائق والظواهر وهضمها. وهكذا فإننا نجد أن البعض يعبد أشياء ماديّة والبعض الآخر يعبد أشياء معنوية.

لكن هنا يرد سؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن تضمن الحريّة الدينية العقيدية للإنسان؟ والجواب أنها تضمن له ما دامت لا تشكل مورد مضايقة لحرّيّات الآخرين الدينية أو لعقائدهم. فمسألة العقيدة أمر حيوي وضروري لكل إنسان، ويجب مراعاتها. وهنا يبرز جانب من المشكلة وهو أنّ بعض الناس يمتلك عقيدة «أنّ لا عقيدة »، أي أنه لا يؤمن بالأديان وبوجود إله خالق حيّ رازق، وأقلّها أنه لا يؤمن بوجود قوة خارجية تتصرّف في الكون وتتحكّم في العالم. وهذا طبعا يعاكس فطرته التي تحكم بهذا الأمر وبوجود هذه القوّة الخارجية؛ وبالتالي فإنّه لا يحترم حريته ولا حرية غيره.

ثم إنّ كل عقيدة لابدّ أن تحتوي على جوانب تنظيمية للحياة، فالعقيدة تنظم الحياة، ومن المستحيل أن تجد عقيدة ليس فيها نظام أو قوانين تحكم العلاقات وتبرمج الحياة. ومن لا عقيدة له فلا نظام يحكم حياته.

يتبع…

_________________

(1) البقرة: 256.

(2) يقول عالم الآثار الألماني بلوتارك: «من الممكن أن تجد مدناً بلا أسوار ولا آداب أو مسارح، ولكن لم يرَ إنسان قط مدينة بلا معبد أو شعباً لا يمارس الصلاة». الإسلام رسالتنا / السنة الثالثة: 10.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة