كشكول الوائلي _ 172

img

المبحث الخامس: في معنى المعرّة

ثم انتقلت الآية الكريمة فقالت: فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ، فما معنى المعرّة، وما المراد بكونها تصيبهم؟ أي ما الذي سيصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فيما لو دخلوا البلد الحرام وقتلوا هؤلاء المسلمين وهم لا يشعرون؟ هناك عدة نقاط حول المسألة سنتناولها إن شاء اللّه تعالى، ومنها:

أوّلاً: المعرّة النفسية

وهي أضخم المعرّات التي يمكن أن يمرّ بها الفرد المسلم؛ فإنّه إذا قتل مسلما دون علم منه بأنّه مسلم ثم عرف بعد ذلك هذه الحقيقة، فسوف لن يهدأ له بال ولن يستقرّ، بل إنّه سيظل يأكل بنفسه ويشبعها لوما وتقريعا، وسيعضّ أصابع الندم على ما يظن أنه فرط منه أو فرّط فيه. وقد حدث مثل هذا أيام الإمام زين‏ العابدين عليه السلام؛ حيث إنّ الزهري كان قاضيا فجيء إليه بشخص فعاقبه حتى مات، فلما عرف أنه مات أصابه يأس وقنوط من الحياة، وحبس نفسه في بيته ولم يخرج منه. وسأل عنه الإمام السجاد عليه السلام مرّة فقيل له: إنّ من أمره كذا وكذا، وهو يظن نفسه أنه قاتل الرجل.

فدخل عليه الإمام عليه السلام وقال له: «إنّ ما أخافه عليك من قنوطك من رحمة اللّه أكثر مما أخافه عليك مما ابتليت به، وقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك». فقال الزهري: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ(1)، لقد فرّجت عني فرّج اللّه عنك، أشهد أنك زين ‏العابدين. ثم رجع الى أهله وماله(2).

فأوّل معرّة تصيب الإنسان إذن هي تأنيب الضمير واللوم الذي سيعرّض له نفسه.

ثانيا: أنّ الدية تجب في هذا القتل

فمن المعرّة أيضا دفع الدية لأهل القتيل، وهذا أمر يصعب على الإنسان أيضا وفيه شدّة ومشقّة عليه؛ ولذا كان معرّة.

ثالثا: إرجاف المشركين بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله قد قتل أصحابه

وهذا ما ستستغلّه قريش في حملتها الدعائية ضد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فإنها سترجف وستروّج بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله قد فرّط بأصحابه وقتلهم من أجل الوصول إلى البيت المحرّم.

وهذا المعنى كان يدور في خلد النبي الكريم صلى الله عليه وآله؛ حيث إنّه (صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى آله) كان يلاحظ ويعرف أنّ هؤلاء يترصدونه. وعليه فيكون معنى فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ: فيصيبكم عار بسبب ذلك.

يتبع…

____________

(1) الأنعام: 124.

(2) ينابيع المودّة 2: 468، ومثله موقف اُسامة بن زيد؛ حيث قال: سوف لن اُشهر سيفي بوجه مسلم بعد أن قتل أعرابيا نطق بالشهادتين، وقال له النبي صلى الله عليه وآله: يعنّفه: « هلا شققت عن قلبه ». مسند أحمد 5: 207، صحيح مسلم 1: 67.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة