كشكول الوائلي _ 171

img

ادّراع الكافر بالمسلم

وفي هذه الآية حكم شرعي يذكره الفقهاء في باب الجهاد، وهو: لو أنّ جماعة من المشركين أو الكفّار تترّسوا بجماعة من المسلمين ـ وهذا أمر تتبّعه غالبا الحروب الحديثة، وهو ما يسمى بالدروع البشرية ـ فالآية صريحة في أنّ على المسلمين عدم مقاتلة هؤلاء الكفار حفظا على أرواح المسلمين من التلف. ومن الفقهاء الذين يتبنّون هذا الرأي الإمام مالك(1) وجماعة آخرون(2)؛ فقد سئل مالك بأنّه لو كانت هناك سفينة لكفار فيها أسرى مسلمون، فهل يجوز للجيش الإسلامي أن يضرب السفينة بالنار ليقتل من عليها من الكفّار، وربما راح قسم من المسلمين الأسرى الذين فيها ضحية؟ فقال: لا يجوز ذلك، ومن يقدم عليه عامدا عارفا فعليه الدية والكفارة. بل إنّه يذهب إلى المنع حتى عند ادّراع الكافر بالمسلم لحظة الحرب.

وكذلك الشوافع فإنهم يميلون إلى هذا الرأي(3). أمّا الأحناف(4) والثوري(5) والإماميّة(6)، فيخالفونهم في هذا الرأي. وللقرطبي رأي في هذه المسألة حيث يقول: « قد يجوز قتل الترس، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية:

فمعنى كونها ضرورية أنه لا يحصل الوصول إلى الكفار إلاّ بقتل الترس.

ومعنى أنها كلية أنها قاطعة لكلّ الاُمةّ حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كلّ المسلمين. فإن لم يُفعل قتل الكفار الترس، واستولوا على كلّ الاُمّة.

ومعنى كونها قطعية أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا.

قال علماوءنا: وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يُختلف في اعتبارها؛ لأن الفرض أن الترس مقتول قطعا؛ فإما بأيدي العدوّ فتحصل المفسدة العظيمة التي هي استيلاء العدوّ على كلّ المسلمين، وإما بأيدي المسلمين فيهلك العدو وينجو المسلمون أجمعون.

ولا يأتي لعاقل أن يقول: لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه؛ لأنه تلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها؛ فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما يحصل منها عدم أو كالعدم »(7).

على أية حال فإنّ هذه المسألة كانت محل نقاش عند المسلمين وموضع أخذ وردّّ فيها، وهو مبتنٍ على اختلاف فهم الدليل من كونه يجيز مدّ اليد إلى المسلم الذي تدرّع به الكافر أو لا يجيز ذلك.

يتبع…

________________

(1) قريب منه ما عنه في المحلّى 7: 306 / 932.

(2) انظر المغني 9: 399.

(3) انظر: الاُم 4: 260، المجموع شرح المهذب 19: 6، روضة الطالبين 7: 447، حواشي الشيرواني 8: 296.

(4) انظر: المبسوط 10: 154، 198، حاشية ردّ المحتار 2: 181، 4: 305.

(5) انظر أحكام القرآن 3: 525، الجامع لأحكام القرآن 16: 287.

(6) انظر: المبسوط 2: 11، السرائر 2: 8، منتهى المطلب 2: 10 ( حجري ).

(7) الجامع لأحكام القرآن 16: 187 ـ 288.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة