قال الله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ في النَّاس بالحجِّ يأتوكَ رِجَالاً﴾

img

مَنْ هو المُخاطَب بقوله: ﴿يأتوكَ

ورد في تفسير هذه الكلمة ثلاثة أقوال وهي ما يلي:

١) المُخَاطَبُ هو نبيُّ الله إبراهيم×: ويدلُّ على هذا القول بعض الروايات في كتب الفريقين فَمِنْ مصادرنا تفسير علي بن إبراهيم القُمِّيِّ ٢/٨٣ ومن مصادر غيرنا تفسير الرَّازي ٣/٢٧: «لمَّا فرغَ نبيُّ اللهِ إبراهيم× مِن بناء البيت، أمَرَهُ اللهُ أنْ يُؤذِّنَ في الناس بالحجِّ، فقال: يا ربِّ وما يبلغُ صوتي؟ فقال: الله تعالى: عليك الأذان وعلي البلاغ، وارتفع على المقام، وهو يومئذ يلاصق البيت، فارتفع به المقام حتى كأنه أطول من الجبال، فنادى، وأدخل اصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه شرقا وغربا، يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت البحور السبعة، ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلها، ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء، بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، أولا ترونهم يأتون يلبون؟ فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب لله، وذلك قوله: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ يعني نداء إبراهيم× على المقام بالحج».

٢) المخاطب هو النبي محمد‘: ويدل على هذا القول روايات في كتب الفريقين فَمِن مصادر الإمامية كتاب الكافي للشيخ الكليني ٤/٤٤٥ ومن مصادر العامة تفسير الفخر الرازي ٢٣/٢٨ عن أبي عبد الله الصادق× قال: «إنَّ رسول الله‘ أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله عز وجل عليه: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم، بأنَّ رسول الله يحج في عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا لحج رسول الله‘، وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون به ويتبعونه، أو يصنع شيئا فيصنعونه، فخرج رسول الله‘ في أربع بقين من ذي القعدة».

٣) المُخاطَب على مدى الأزمان هو خليفة الله في تلك الأزمان على الأرض وإلى الإمام والخليفة من بعدهم إلى يوم القيامة: ويدل على هذا القول بعض الروايات منها ما روي في كتاب الكافي للشيخ الكليني ١/٣٢٩ عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعتُ أبا جعفر الباقر× حيث رأى الناس بمكة وما يعملون قال: فقال×: «فِعَالٌ كَفِعَالِ الجاهلية، أمَا والله ما أُمِروا بهذا، وما أُمِروا إلا أنْ يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم، فيمروا بنا، فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرتهم».

وقد ورد في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة ص٤٠٩ وكفاية الأثر للخزاز القمي ص٢٦٩ وفي مسند أحمد بن حنبل ٤/٩٦ حديث نبوي مشهور: «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية».

ومعنى ذلك أنَّ في كل زمان يوجد إمام من قبل الله سبحانه وتعالى عليك أنْ تعرفه.

فإبراهيم ليست له الموضوعية كشخص، وإنما لأنه إمام مجعول من قبل الله تعالى وكذلك موسى أو عيسى في زمانه هو الإمام، والنبي المصطفى‘ في زمانه هو الإمام، وبعد رسول الله‘ الإمام أمير المؤمنين× ثم الإمام الحسن المجتبى× إلى أنْ تصل إلى ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن عجل الله فرجه فهو الإمام في هذا الزمان.

فعلى ضوء القول الثالث وإنْ كان ظاهر الخطاب خاصًّا بإبراهيم× والنبي‘، إلا أنَّ واقع الخطاب عام للإمام بما هو إمام، لا للشخص بما هو شخص، وإنَّ هذا المقام هو مقام خليفة الله تعالى، فهو المؤذِّن السماوي بالحج وهو المقصود للناس.

إذن فالهدف من الحج أن نتعرف على خليفة الله في الكون وهو من أكبر الأهداف التي اقتضت الحكمة أن يشرع الحج من أجلها وهو أن عباد الله يذكرون اسمه تعالى ويتعرفوا على إبراهيم× خليل الرحمن ـ وقت إمامته ـ ورسول الله‘ وعلى أوصياء رسول الله وصولًا إلى الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

وهناك روايات تشير إلى هذا المعنى منها ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ٢/٤٨٤ عن أبي عبد الله الصادق× في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ قال×: «التفث لقاء الإمام».

وصلى الله على محمد وآل محمد

حسين آل إسماعيل

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة