صيامُ ثلاثةٍ أيَّامٍ في المدينةِ لِلحاجَةِ

img

نصَّ الفقهاء رضوان الله عليهم في رسائلهم العمليَّة على استحبابِ صِيامِ ثلاثةِ أيَّام في المدينة المنورة للحاجَة ولا يُشترطُ فيها نيَّة الإقامة، وهناك ثلاثة تساؤلات حول هذه المسألة وهي كما يلي:

أولاً: ما هي تلك الأيَّام الثَّلاثة؟

ثانياً: أين يؤدِّي صلواته اليوميَّة؟

ثالثاً: ماذا ينبغي له في تلك الأيَّام؟

أما ما يعود إلى جواب السؤال الأول فإنَّ الفقهاء رضوان الله عليهم حدَّدوا تلك الأيَّام الثَّلاثة وهي: الأربعاء والخميس والجمعة، ولكنَّ الاختلاف في كون ذلك على نحو الفتوى أو على نحو الاحتياط ففي المسألة أربعة أقوال عند الفقهاء وهي كما يلي:

١) جوازُ كون الثَّلاثة أيَّام في مُطلقِ الأسبوع ولكنَّ الأفضل أنْ تكونَ الأربعاء والخميس والجمعة ومِمَّن رأى هذا الرَّأي الفقيه الأعظم آية الله العُظمى السَّيد محسن الطباطبائي الحكيم قُدِّس سِرُّهُ الشَّريف ونعثرُ على هذا الرَّأي في مصدرين وهما ما يلي:

المصدر الأول: وهو الذي يتضمَّنُ رأيَهُ بأنَّ الثلاثة أيَّام غيرُ محددةٍ بأيَّامٍ معينة بل تجوز في مُطلق الأسبوع وهذا الرَّأي في منهاج الصالحين ج١ مسألة ٢ ص٣٨٩ قال: «الأقوى عدم جواز الصَّوم المندوب إلا في السَّفر إلا ثلاثة أيَّامٍ في المدينة».

المصدر الثاني: والذي يتضمَّنُ رأيَهُ بأنَّ الأفضل كون الثَّلاثة هي الأربعاء والخميس والجمعة في منهاج النَّاسكين الطَّبعة التَّاسعة سنة ١٣٨٧ ص١٣٠: «يُستحبُّ الصَّوم ثلاثة أيَّامٍ في المدينة وإنْ كان مسافراً، وينبغي أنْ يكونَ الأربعاء والخميس والجمعة».

٢) الأحوطُ وجوبًا أنْ تكونَ تلك الأيَّام هي الأربعاء والخميس والجمعة ومِمَّن يرى ذلك السَّيد الخوئي قُدِّسَ سِرُّه الشَّريف والشَّيخ الوحيد دام ظله حيث قالا في منهاج الصالحين للسَّيد الخوئي تعليقة الشَّيخ الوحيد ج٢ مسألة ١٠٢٦ ص٣٠٥ ص٣٠٦: «الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السَّفر إلا ثلاثة أيَّام للحاجَة في المدينة، والأحوط أنْ يكونَ ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة».

وكذلك هو رأي السَّيد السِّيستاني دام ظله حيث قال في منهاج الصالحين ج١ مسألة ١٠٢٦ ص٣٠٩ ص٣١٠: «لا يجوز الصَّوم المندوب في السَّفر، إلا ثلاثة أيَّام للحاجة في المدينة، والأحوط لزومًا أنْ يكونَ ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة».

٣) يجبُ أنْ تكونَ تلك الأيَّام هي الأربعاء والخميس والجمعة وهذا هو رأي السَّيد محمد سعيد الحكيم حيث قال في منهاج الصالحين ج١ مسألة ٧٦ ص٣٤٩: «الأقوى عدم مشروعية الصَّوم المندوب في السَّفر إلا صوم الأربعاء والخميس والجمعة في ضِمن عملٍ خاصٍّ لقضاء الحاجَة في المدينة المنورة».

وكذلك هو رأي الشيخ الفيَّاض دام ظله حيث قال في منهاج الصالحين ج١ مسألة ١٠٤٧ ص٤٥٩ ص٤٦٠: «الأقوى عدم جواز الصَّوم المندوب في السَّفر، إلا ثلاثة أيَّام للحاجة في المدينة، والأقوى أنْ يكونَ ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة».

٤) الأحوطُ وجوبًا أنْ تكونَ تلك الأيَّام هي الأربعاء والخميس والجمعة، ولكنْ يجوزُ الصَّوم في غير هذه الأيَّام الثلاثة برجاء المطلوبية، وهذا هو رأي الشَّيخ التَّبريزي قُدِّسَ سِرُّه الشَّريف حيث قال في منهاج الصالحين ج١ مسألة ١٠٢٦ ص٣٧٨: «الأقوى عدم جواز الصَّوم المندوب في السَّفر إلا ثلاثة أيَّام للحاجة في المدينة، والأحوط أنْ يكونَ ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة، ولا بأسَ بذلك في غيرها بقصدِ الرَّجاء».

وأمَّا جواب السؤال الثَّاني فقد بيَّنَ الفقيهُ الأعظم آيةُ الله العُظمى السَّيد محسن الطباطبائي الحكيم قُدِّسَ سرُّه في منهاج النَّاسكين ص١٣٠ الأماكن التي يؤدِّي فيها الصَّائم صلواته اليوميَّة في تلك الأيَّام الثلاثة فقال: «ولْيُصَلِّ ليلة الأربعاء ويومها عند اسطوانة أبي لبابة المُسمَّاة اسطوانة التَّوبة، وليلة الخميس ويومها عند الاسطوانة التي تليها مِمَّا يلي مقام النَّبي‘، وليلة الجمعة ويومها عند الاسطوانة التي تلي مقام النَّبي‘».

وما ذكره السَّيد الحكيم قُدِّس سرُّه الشَّريف هو ما نصَّتْ عليه الروايات فقد رُوِي في وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب مَنْ يصحُّ منه الصَّوم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله الصادق× قال: «إنْ كان لك مقامٌ بالمدينة ثلاثة أيَّام صُمتَ أول يوم أربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة وهي اسطوانة التَّوبة التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عُذْرُهُ من السماء، وتقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها ما يلي مقام النَّبي‘ ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس، ثم تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النَّبي‘ ومُصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة».

وأمَّا جواب السؤال الثَّالث فهناك آداب يُستحبُّ مراعاتها في تلك الأيَّام الثلاثة وهي كما يلي:

١) التقليل من الكلام: قال السَّيد الحكيم قُدِّسَ سرُّه في منهاج النَّاسكين ص١٣٠: «إنْ استطعتَ أنْ لا تتكلم في هذه الأيَّام إلا ما لا بُدَّ لك منه فافعلْ».

وهذا ما نصَّ عليه الإمام الصادق× حيث قال: «إنْ استطعتَ أنْ لا تتكلم بشيءٍ في هذه الأيَّام إلا ما لا بُدَّ لك منه».

٢) التقليل من النَّوم: قال السَّيد الحكيم قُدِّس سرُّه في منهاج النَّاسكين ص١٣٠: «ينبغي أنْ لا تنام فيها في ليلٍ ولا نهار إلا مقدار الضَّرورة».

وهذا ما نصَّ عليه الإمام الصادق× حيث قال: «ولا تنام في ليلٍ ولا نهار».

٣) الدُّعاء بالمأثور: قال السَّيد الحكيم في منهاج النَّاسكين ص١٣٠: «واسْأَلِ اللهَ كلَّ حاجة لك دُنيًا وآخرةً، وليكنْ فيما تقول: اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد اللهمَّ ما كانتْ إليكَ مِن حاجةٍ شرعتُ أنا في طلبها أو التماسٍ، أو لم أشرعْ سَأَلْتُكَهَا أو لم أَسْأَلْكَهَا، فإنِّي أتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وآله نبيِّ الرَّحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها، اللهم إنِّي أَسْألُكَ بعزَّتكَ وقوَّتِكَ وقُدْرَتِكَ وجميعِ ما أحاطَ به عِلمُكَ أنْ تُصليَ على محمدٍ وآل محمدٍ وأنْ تفعلَ بي كذا وكذا».

٤) الاعتكاف في الأيَّام الثلاثة: قال السَّيد الحكيم في منهاج النَّاسكين ص١٣٠: «ينبغي لكَ الاعتكاف فيها _ أي في هذه الأيَّام الثلاثة التي يصوم فيها».

وهذا ما نصَّ عليه الإمام الصادق× حيث قال: «ولا تخرجْ مِن المسجد إلا لحاجة».

٥) المكث في أماكن معينة: قال السَّيد الحكيم في منهاج النَّاسكين ص١٣٠: «إنْ شئتَ أنْ تكونَ في ليلة الأربعاء ويومها عند الاسطوانة التي تلي رأسَ النَّبي‘، وليلة الخميس ويومها عند اسطوانة أبي لبابة وليلة الجمعة ويومها عند الاسطوانة التي تلي مقام النَّبي‘ فلا بأسَ به واللهُ العَالِمُ».

وصلى الله على محمدٍ وآل محمدٍ

حسين آل إسماعيل

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة