كشكول الوائلي _ 169

img

القانون الدولي الإسلامي

هو مجموعة من القواعد والنظم التي تفرض على المسلمين التعامل مع غير المسلمين داخل البلاد الإسلامية وخارجها.

فالآية إذن ـ وفق هذا المنظار ـ ترتبط بالفقه الدولي العامّ، وتنظّم علاقات المسلمين مع غيرهم.

مشروعية التقية ومراعاة حرمة المسلم

ثم قالت الآية الكريمة: وَلَوْلاَ رِجَالٌ مؤمنونَ وَنِسَاءٌ مؤمناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ، وهي تشير إلى جماعة من المؤمنين قد أخفوا أنفسهم عن قريش خشية أن ينالهم أذاها؛ كسهل بن جندل، وابن أبي ربيعة، وهشام، ومجموعة من النساء. فهؤلاء كانوا يرون أنهم إذا أعلنوا إيمانهم فإن قريشا لن يمنعها مانع ولن يردعها وازع عن أن تمتد ايديها إليهم بالعذاب وأن تعرضهم للموت. وهم يعلمون أن الروّاد الأوائل قد تعرضوا إلى مستويات مرعبة من التعذيب.

وهذا المقطع من الآية الكريمة يعالج جانبين مهمين:

الأوّل: مسألة التقية

فهؤلاء قد أخفوا أنفسهم خوفا من قريش، وحسب تعبير الآية لَمْ تَعْلَمُوهُمْ. ونفهم من هذا أنّ الإنسان إذا ما اضطرّ فله أن يستعمل التقية. فلو كان عملهم هذا غير مشروع لأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وآله وقال: أعلنوا إسلامكم. إنّ المذاهب الإسلامية بأجمعها تقول بالتقية، وعند الرجوع إلى تاريخنا وقواعدنا الشرعية نجد أنهما يدفعان الإنسان دفعا إلى التقيّة فيما لو وقع بين اُناس لا يملكون حرّية الرأي، حيث إنّه يضطرّ حينها إلى أن يبطن خلاف ما يظهر؛ حفظا لنفسه(1). وهنا تقدّر الضرورة بقدرها، فهذا المعنى استعمله الصحابة وأقرّهم النبي صلى الله عليه وآله عليه.

ومما هو غير واقعي بحال أن يأتي بعض الكتاب الذين لا تُلمس على أقلامهم أيّ روح إسلاميّة فيعالجوا هذا الموضوع باستعراض العضلات، وما ذلك إلاّ لأنهم لم يمرّوا بالتجربة التي مرّ بها القائلون بالتقية، حيث إن القائلين بالتقية كانوا قد عايشوا المذابح التي كانت تجري من غير سبب ودونما وازع أو مانع من أمر اللّه تعالى أو ضمير حيّ. وما يثار حولنا من نقاط تعتبر موجبة للاتّهام من وجهة نظر هؤلاء هي إثارات منكرة وواهية لا تستند إلى أي دليل. ومن هذه الإثارات اتّهامنا ورمينا بأننا نقول بأنّ اُمّ المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله كانت منحرفة، ونحن نتحدّى هذا المتّهم بأن يجيئنا بمصدر واحد معتبرمن مصادرنا يشير إلى هذا المعنى. فهذا اللون من التهم ينمّ عن سوء طويّة وخبث سريرة، وإلاّ فإننا لا يمكن أن نتجرّأ على زوجة رسول اللّه صلى الله عليه وآله بمثل هذا؛ لأ نّه تجرّؤ على مقام رسول اللّه صلى الله عليه وآله وخدش لمنزلته وانتقاص من كرامته.

وكان ما سوّد وجه تاريخنا هو وجود فتاوى طويلة عريضة ذهب بسببها الكثير من الخلق، ومن يرد أن يطّلع على هذا فلينظر كتاب ابن عابدين (الفتاوى الحامدية) وليدقّق في حيثيتها ومدركها، فقد أمر بقتل الشيعة لأ نّهم كما يدّعي يلوكون في سيرة أم المؤمنين عائشة ويرمونها بالانحراف (2).

ونحن نخاطب هؤلاء كمسلمين ونقول لهم: أين يوجد هذا؟ ولماذا تحاولون أن تمزّقوا وحدة المسلمين.

إذن فالإنسان حينما يعيش مع أمثال هذه النماذج وبينهم فإنه يضطر إلى العمل بالتقيّة. وهذا العمل له مداركه في التشريع الإسلامي، قال تعالى: لاَ يَتَّخِذْ الْمؤمنونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمؤمنينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (3). جاء الحجّاج بن علاّط السلمي مرّة للنبي صلى الله عليه وآله وقال له: يا رسول الله، إن لي بمكّة مالاً، وإن لي بها أهلاً اُريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك وقلت شيئا؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ما شاء (4).

وهناك عشرات الأدلّة على ذلك، وقد بحثها الفقهاء وناقشوها(5). فالتقيّة موجودة عند المسلمين بصورة عامّة، مع أنّ بعض ذوي الأقلام الرخيصة يسخّرون أقلامهم في التهريج في هذا الباب بعيدا عن روح الإسلام (نسأل اللّه تعالى أن يخلّصنا من أمثال هؤلاء الذين لا يشعرون بشيء من المسؤولية تجاه وحدة المسلمين ).

يتبع…

_____________

(1) انظر: واصل بن عطاء مع الخوارج في محاضرة (الجوار في الإسلام) ج 1 من موسوعة محاضرات الوائلي.

(2) انظر الفصول المهمّة ( شرف الدين ): 144 ـ 145.

(3) آل عمران: 28.

(4) بحار الأنوار 21: 34، مسند أحمد 3: 138.

(5) نيل الأوطار 8: 84 ـ 85، وانظر محاضرة ( الحرّيّة الشخصيّة من منظور إسلامي ) ج 2 من موسوعة محاضرات الوائلي.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة