كشكول الوائلي _ 168

img

المبحث الثاني: أن في التشريع الإسلامي قوانين دولية

وهذه الآية ترتبط بالقانون الدولي العام كما ذكرنا، وممّا يؤسف له، ويدمي القلوب ذكره أنّ فقهاء القانون عندهم عقدة من الدين الإسلامي وشريعته، فيتّهمونه بأنه ليس في تشريعاته وقوانينه أي ذكر لنظام أو قانون دولي يتعامل بموجبه مع الآخرين. وهم يعزون ذلك إلى الأسباب التالية:

السبب الأوّل: أن لغة الإسلام هي العربية

فهؤلاء يقولون: إن لغة الإسلام الرسمية هي العربية؛ لأنها لغة القرآن والسنة والعبادة والمعاملة، واللغة العربية تمتاز بأنها لغة فيها قسر وإكراه ونوع من الجبر، أي ليس فيها أيّ مرونة أو روح دولية. والروح الدولية يفترض فيها ألاّ تتّسم بطابع الإكراه، أو بنوع من القسر مطلقا كهذا الذي تتّصف به اللغة العربية، وهو الأمر الذي يبعدها عن أن تكون لغة التشريعات والنظم والقوانين الدولية.

مناقشة السبب الأوّل

إنّ هؤلاء قد نسوا أن القانون الدولي نفسه هو قانون يقوم على الإكراه، ولا سبيل إلى تطبيقه دون اللجوء إلى الإكراه، وكمثال على ذلك مجالات تطبيق القانون الدولي على مجريات الحروب وتنفيذه فيها كما في معاهدة «لاهاي»، فإن بنودها تحتاج إلى القوّة والإكراه لتطبيقها وتنفيذها سيما مع مجرمي الحروب، وكذلك الحال في الكثير من الاُمور التي تسنّها الاُمم المتّحدة ولا تجد آذانا صاغية أو تجاوبا من الطرف المعني؛ وحينها فإن هذه القرارات تنفّذ بالقوة والإكراه. والمشرّع الإسلامي لم يخرج عن هذا الحد؛ وعليه فاللغة التي يستخدمها في الفقه الدولي لابدّ أن تكون مدعّمة بالقوّة حتى يتاح له تنفيذ أحكامه وقوانينه.

السبب الثاني: أن الإسلام لا يقوم على مبدأ المساواة

وهذا الإشكال قائم على دعوى أنّ الإسلام يميّز المسلمين عن غيرهم من الشعوب وأهل الأديان الاُخرى، ويعطيهم من الحقوق ما لا يعطيه لهؤلاء، في حين أنّ القانون الدولي يضمن هذه الجنبة لجميع الناس باختلاف أطيافهم وألوانهم وشرائحهم، فهو يتعامل بمبدأ المساواة مع الجميع.

مناقشة السبب الثاني

ولنا أن نسأل: هل إنّ هذا التمايز هو في أصل المنشأ والخلقة، أم في أصل التعامل؟ الواضح للعيان والحقيقة التي لا غبار عليها من خلال ملاحظة نصوص الشريعة أنه ليس هناك أي تمايز بين الناس من جهة أصل المنشأ والخلقة؛ فالنص التشريعي يعلن يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (1). فليس هناك تفاوت في أصل المنشأ والخلقة في الشريعة الإسلامية.

ثم إن القانون الدولي نفسه أليس قائما على أساس التمايز؟ وإلاّ فبأي حقّ تُعطى خمس دول هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا عضويةً دائمة في مجلس الأمن؟ أليس في هذا تمايز، وتمييز بين الدول والشعوب؟ وهذه الدول كما هو معلوم لها حق « veto » ضدّ أي قرار لا ترتضيه سياستها وإن كان فيه مصلحة لغيرها من الدول.

فهل من الصواب أن تلصق هذه التهمة بالإسلام مع أنّ القانون الدولي قائم عليها؟

السبب الثالث: خصوصية الشريعة الإسلامية

يدّعي هؤلاء أنّ الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تكون أساسا للقانون الدولي أو مقننة له ولا تصلح لذلك؛ لأنها مطبوعة بطابع الدين، ومعنى هذا أ نّها للمسلمين فقط الذين يدينون بها دون غيرهم من أبناء الطوائف والأديان الاُخرى. أمّا القانون الدولي فيراد له أن يكون عالميّا عامّا يشمل كل أبناء البشر.

مناقشة السبب الثالث

وهذه مغالطة؛ لأنّ الشريعة الإسلامية والقانون الدولي يستهدفان شيئا واحدا هو السير بالإنسانية نحو التكامل، ورفع مستواها. فالشريعة الإسلامية تعالج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والجانب الجنائي عند الإنسان؛ حيث ترتفع به عن مستوى الغرائز، وتدفعه إلى التكامل.

إذن يتّضح مما مرّ أنّ جميع العناصر التي يطلبها القانون الدولي ميسّرة في الإسلام.

يتبع…

____________

(1) الحجرات: 13.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة