كشكول الوائلي _ 167

img

من مسائل الفقه الدولي

«القانون الدولي الإسلامي»

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مؤمنونَ وَنِسَاءٌ مؤمناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابا أَلِيما (1).

مباحث الآية الكريمة

المبحث الأوّل: في سبب نزول الآية الكريمة

هناك مجموعة من الاُمور التي ترتّبت على صلح الحديبية شكّلت بجملتها سبب نزول هذه الآية الكريمة، وهي بهذا ترتبط بمنظومة الفقه الدولي في الإسلام. وسبب النزول هو أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله خرج معتمرا في السنة السادسة للهجرة الشريفة، وكان معه من الصحابة (1400) صحابي، خرجوا يسوقون معهم (700) ناقة لينحروها في الهدي. ولمّا دخلوا الحديبية وصل الخبر إلى أبي سفيان الذي جمع قريشا وقال لهم: لا بدّ من منع محمّد من دخول مكّة. مبيّنا لهم أنه صلى الله عليه وآله إنما يتحدّاهم بهذا، ثم جمع الخيّالة، وكان عليهم يومئذٍ خالد بن الوليد، فأقبلوا حتى وصلوا الحديبية، وبدأت الرسل بينهم، فبعثت قريش سفراءها، وفيهم عروة بن مسعود ـ وهو جدّ علي الأكبر لاُمّه، وجدّ المختار بن أبي عبيد ـ ومعه آخر، فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله: لا سبيل إلى دخولك مكّة.

فأخبرهم رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله أنه لم يأتِ للحرب، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظّما لحرمته، وأنه صلى الله عليه وآله يريد أن ينحر الهدي ويرجع. ثم أرسل صلى الله عليه وآله عثمان بن عفّان إلى مكّة فاحتبسته قريش وانقطع خبره، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين بلغه ذلك: « لا نبرح حتى نناجز القوم ». ودعا صلى الله عليه وآله الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله على الموت. فنزل قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمؤمنينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحَا قَرِيبا (2)، فسميت «بيعة الرضوان» و«بيعة الشجرة »(3).

وكان عروة بن مسعود ممّن وفد إلى الرسول صلى الله عليه وآله في هذا الصلح، ولمّا رجع لأصحابه قال مخاطبا إياهم: أي قوم؟ والله لقد وفدت إلى الملوك ووفدت إلى كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمد محمدا. ووالله إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ اقتتلوا على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر؛ تعظيما له. وإنه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها وأجمعوا أمركم (4).

فهو يؤكّد لهم أن هؤلاء كانوا بمجرّد أن يتوجّه صلى الله عليه وآله إلى وضوئه يتهالكون على تناول وضوئه، وإذا أراد شيئا أسرعوا بأجمعهم إلى قضائه له، وأنه رأى من الالتفاف حوله ما لا نظير له، وأنهم مستميتون دونه، فعليهم أن يحسبوا لهذا حسابا، وأن يقرّروا فيه رأيهم.

وبهذا تغيّر وضع قريش، وقرّروا الصلح مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فأعادوا عروة والوفد الذي كان معه إليه صلى الله عليه وآله، فتمّ الاتفاق بينهم على أن يرجع رسول اللّه صلى الله عليه وآله عامه هذا، وله أن يأتي بمن معه في السنة التالية للحجّ. ورأى النبي صلى الله عليه وآله في هذا الأمر حقنا للدماء وتحقيقا لأهداف معينة، فوافق على الصلح، ونحر الإبل (هدي التحليل )، ورجع بأصحابه، ورجعت قريش إلى مكّة. فالآية إذن نزلت لتشرح بعض المواقف لهذا الصلح.

يتبع…

______________________

(1) الفتح: 25.

(2) الفتح: 18.

(3) تفسير القرآن العظيم 4: 200، صحيح ابن حبّان 11: 219 ـ 222.

(4) صحيح ابن حبّان 11: 219 ـ 222.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة