كشكول الوائلي _ 165

img

موقف الإمام السجّاد عليه السلام من مروان

وهناك في تاريخنا أمثلة سامية في عدم مقابلة الإساءة بمثلها، فمثلاً مروان بن الحكم الذي لم يُسئ أحد من المسلمين إلى الإسلام بقدر ما أساء إليه هو، فقد خلق ألف مشكلة للإسلام، كما أنه هو الذي سبّب مشكلة للخليفة الثالث مع الناس ممّا أدّى إلى مصرعه، وخلق حالة من الشقاق بين المسلمين(1). وهو الذي كان يضرب رأس الإمام الحسين عليه السلام بالعصا ومع ذلك فإنه حينما حدثت الثورة على الاُمويّين في المدينة وقف الإمام زين العابدين يحمي عائلته وعوائل الاُمويّين. فأين يمكن أن نجد مثل هذا الخلق العالي؟ لقد كان الإمام عليه السلام يصلهم بالطعام، ويوفّر لهم الحماية ويأمر أبناءه بذلك(2).

فهذه مشاعر آل محمد صلى الله عليه وآله التي تترفّع على الحقد. وكان بعض الجماعة يسيئون للإمام علي عليه السلام، فيشتمونه تحت منبره، وقد قال لهم مرّة وهو على المنبر: «أما إني أعلم الذي تريدون ويقيم إوَدكم، ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي»(3). فيسكت عنهم ويسامحهم، ولكن الجاهل لا يعي أن العفو عفو، وإنما يسميه ضعفاً، مع أن على الإنسان أن يصنع الفضيلة للفضيلة.

ثم إن الاعتداء يجب ان يأخذ صفة المماثلة، فلا تجمح العاطفة بالإنسان فيتعدّى الحدود المشروعة في الاقتصاص، قتل ولد لأحد من بني تميم، فلما جاءه أهل القاتل ليدفعوا له الدية، قال: أنا اُخيّركم إحدى ثلاث: أن تعيدوا لي ولدي حيّا. فقالوا: إن هذا غير ممكن. فقال: إذن عليكم أن تُنزلوا لي نجما من السماء. فقالوا: وهذا غير ممكن كذلك. فقال: إذن أبيدكم عن آخركم، فإن قطرة واحدة من دمه تعدل دماءكم كلّها. فعاطفة هذا الأب جامحة، وهو في حالة غضب كذلك؛ ولذا طلب منهم ما طلب، لكنه يتعارض مع ضوابط الإسلام والإنسانيّة.

فالقرآن الكريم يريد أن يقيّد هذه العواطف الجامحة، فأمر بأن تراعى المثليّة في القصاص، فلا ينتقل إلى حكم آخر إلاّ إذا لم يكن بالإمكان إحراز المماثلة، كالضرب مثلاً؛ فإنه إذا خيف أن يفقد المقتصّ منه سمعه أو بصره مثلاً عند الاقتصاص منه، فليس من المعلوم أن يسلما له إن هو ضُرب، فحينها ينتقل إلى حكم آخر كما قلنا. فالمماثلة اُوجدت لحفظ النظام وكيلا تكون حياة المجتمع غابة يأكل أبناؤها بعضهم بعضاً.

يتبع…

___________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3: 397، الإمامة والسياسة 1: 35، شرح نهج البلاغة2: 146 ـ 148، 9: 26.

(2) الكامل في التاريخ 3: 456.

(3) الكافي 8: 361 / 551.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة