شعراء القطيف (المرهون)

img

{62} المرحوم الشيخ محمّد صالح الصفواني[1]

المولود (26/7/1318)

هو العلاّمة الفاضل، الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ علي ابن الشيخ سليمان ابن الشيخ علي المبارك الصفواني. ولد بالتاريخ المذكور، ونشأ محبا للعلم فنهل من نميره الصافي في سن مبكر على يد أعلام أهل بلاده وذويه، ونبغ نبوغاً بزّ به أقرانه؛ لما يتمتع به من ذكاء وفطنة وحصافة رأي وتفكير حر، وبذلك أصبح في زمن قليل عالماً فاضلاً محقّقاً مشهوداً له بالفضل والفضيلة من قبل أساطين العصر. ومؤلفاته الفذّة تدلّ على طول باعه وسعة اطّلاعه، والذي طبع منها: (هداية العقول إلى فقه آل الرسول)، كتاب فقهي استدلالي برز منه لعالم النشر الجزء الأول في الطهارة والثاني في الصلاة، و(الدعوة إلى كلمة التوحيد) و(القضاء) من أهم الكتب التي عالجت هذه المشكلة.

وقد أضاف إلى فضيلة العلمية فضيلة الأدب؛ فقد كان أديباً شاعراً مضافاً إلى ما يحمله من أخلاق فاضلة، ومزايا كريمة، وخفة طبع، ودماثه خلق، وسعة صدر، وحزم وإقدام؛ ولذلك انتخب للقضاء، فهو اليوم قاضي
الجعفرية في القطيف كافّة (وفقه اللّه للصلاح والإصلاح، ومدّ في عمره). وإليك ما انتخبنا من شعره في أهل البيت عليهم السلام:

في رثاء الحسين عليه السلام

اسطع كما سطعت من اُفقها الشهبُ *** وسر على سنن تعلو بها الرتبُ

وابتع لنفسك من سوق العلا حللاً *** فأنت عارٍ فلا يسمو بك النسبُ

من لم تطعه المواضي في مغامدها *** ولم يكن في رعيل المجد ينتدبُ

ولم يزنْ صفحة التاريخ مفخرة *** مجداً وصدقاً وفاءً فاته الشنبُ

وأعجب الأمر أن الليل يهزأ من *** ضحى النهار إذا ما سارت السحبُ

تهوي الفراشة إن نار لها لمعت *** وما درت بوميض حوله العطبُ

وعاطل المجد قد يسمو ومن عجب *** تسطو الثمامة لا الهندية القضبُ

نور الحقيقة مهما شاء يحجبه *** ذو الجهل يبدو وتفنى دونه الحجبُ

سما سماك السما فاستجلِه حكماً *** مهما ترامت به الأجيال والحقبُ

لو أن قلبك مشتاق لنور هدى *** لما بعدت وأرباب الهوى قربوا

والقرب والبعد إن ضرّا وإن نفعا *** فبالإضافة لا ذاتيهما السببُ

إذا السجية قرت وهي فاسدة *** فليس يجدي امرأً فضل ولا أدبُ

هل السجية طبع في الغريزة أم *** سمع ينال بتعليم ويكتسبُ

نعم هي الطبع لكن شابه عرض *** حتّى استحال وطبع المرء ينقلبُ

لا أبعد اللّه داراً كان يسكنها *** زعانف عن هداها الحقد والغضبُ

يستعذب الفرد منهم ظلم صاحبه *** كأنه في التجني منهل عذبُ

تخالف اللفظ والمعنى بوحدته *** فلفظها السلم والمعنى لها حربُ

ألقى التخاذل ضعفاً في نفوسهُمُ *** فما استقام لهم جدّ ولا لعبُ

إن الحقيقة قالت وهي صادقة *** فيما تقول بأن الراحة التعبُ

وكم تشرب هذا القول أفئدة *** وكم تخالج منه الأنفس الوجبُ

هي النفوس شأت تمشي بمجهلة *** ما عاقها عائق يوماً ولا نصبُ

تسري على اُفق الظلماء قارئة *** سفر الطبيعة لكن سيرها خببُ

تعشّقت روضة هامت بها طرباً *** كأنما خلقت تلهو وتطّربُ

ترى شقاها حياة الاِجتماع وما *** نيل السعادة إلاّ مطلب صعبُ

ولا تقس أنفساً يوم الطفوف غدت *** بالمجد ترفع أو بالعز تنتصبُ

من كلّ أشوس وضّاح الجبين إذا *** تدرّع الصعب فرّ الباسل الصعبُ

حاطت به أنجم تختال من طرب *** شوقاً لنظرته ياحبذا الطربُ

في موقف طلعت شمس الحديد به *** من اُفق ملتهب يقفو ويلتهبُ

خاض الوغى حيث ورْق‏الموت صادحة *** وسامروا السمر حيث الصيد تضطربُ

حيث البسيطة نار والسما لهب *** والهام تسقط والأرواح تستلبُ

بدور تمّ باُفق الطفّ قد طلعت *** لكنهم بين آفاق الظبا غربوا

وأوقد الأرض جمرا شبل حيدرة *** فأصبحت زمر الأعداء تنسحبُ

يطوي الكتائب من حرب وينشرها *** طيّ السجل إذا ما تنشر الكتبُ

فجلجلت بالصدى الأجواء وانتدبت *** غرّ الملائك واهتزّت لها الحجبُ

واندك صرح دعاة البغي وانتكست *** أعلامها وتولّى قلبها الرعبُ

تأبى الحمية أن يلقى القياد فتى *** سَنّ الإبا وإليه العز ينتسبُ

حتّى إذا ما قضى حق العلا وهوى *** فوق الثرى وزّعته السمر والقضبُ

أعظم به طود عزّ خرّ منجدلاً *** كادت لمقتله الأكوان تنقلبُ

ماذا تريد سهام الموت قد ظفرت *** وكلّ نفس لداعي الموت ترتقبُ

يا راحلاً ترك الآماق جارية *** كالغيث يقطر مدراراً وينسكبُ

يا غائباً ترك الأبصار شاخصة *** ترجو يعود وهل للعود مرتقبُ

هذي صفاياك مَن في الخدر قد ضربت *** من ذي الجلال لها الأستار والحجبُ

تبدو شموسا وفي الأكوار منزلها *** سوافرا بشعاع النور تحتجبُ

من كل ثاكلة ذابت حشاشتها *** من كل مذعرة تبكي وتنتحبُ

يتبع…

______________

[1]  توفي رحمه الله في  8 / 10 / 1374  ه.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة