المرأة والعلم

img

إن المتأمل في هدفية البعثة المباركة للنبي الخاتم محمد بن عبد الله (ص) يلوح له وبوضوح المقدار الكبير الذي اولاه صاحب هذه الرسالة في الحث على العلم والمعرفة، وهذا الحث جاء على لسان جميع أنبياء الله ورسله، إلا أن دعوة الرسالة المحمدية لهذا الأمر تميزت عن بقية الدعوات، حيث ان العلم والتعلم كما ينص الكتاب الكريم أحد الأهداف الأساسية لبعثته (ص)، قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين). وقال جلّ وعلا: (لقد من اللهُ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مُبين).

ولم يستثن من هذه الدعوة أحد من البشر باختلاف أجناسهم، فكما هو يرتقي بالرجل كجنس بشري، أيضاً يرتقي بالمرأة كجنس بشري مشاركة له في الإنسانية والأمانة التي هي الخلافة على الأرض، فأمر طلب العلم أكد الدين الإسلامي عليه بدون فرق بين الجنسين، بل وعدّه فريضة على جميع المسلمين رجالاً ونساءً، ومن هنا جاء قول رسول الله (ص): (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) 3.

وهذا الحديث وأمثاله من الهدي النبوي مطابق لحكم العقل بوجوب تحصيل العلم والمعرفة بالخالق، وما له من الوظائف التي قررها على عبيده الموقوفة على العلم والمعرفة بالرسل الذين أرسلهم لبيان وظائفهم، وبعد ذلك تحصيل العلم بمن يتولى أمر دينه من قبله. وبذلك يكون المفهوم المستفاد من منطوق هذا الحديث الشريف أن العلم والمعرفة بما سلف ذكره هو ضرورة معرفة البشر بمصالح دينهم ودنياهم، وهذا تقرير لما في حكم العقل بلزوم تحصيله.

والمعرفة والعلم نوعان:

الأول: المعرفة والعلم اللذان هما من صنع الله عز وجل، وهو الشطر الإيماني للمعرفة.

الثاني: ما يكون من كسب الإنسان عن طريق العقل، وهو الشطر المادي للمعرفة.

فأما النوع الأول: الذي هو من صنع الله فهو ما اوحى به الله عز وجل الى رسوله الكريم (ص)، وبلغها وأهل بيته المعصومين (ع) للناس وهي تلك المبادئ الخاصة بالعقيدة والتشريع والأخلاق، والقوانين التي ينتظم بها المجتمع أفراداً وجماعات، وهي مجموعة في علوم الدين، وجوهر كل ذلك هو التوحيد والولاية.

واما النوع الثاني من العلم والمعرفة: الذي هو من كسب الإنسان عن طريق العقل فمعرفته تتأتى عن استنتاج العقل من نتائج وسائل المعرفة، وهي الملاحظة والتجربة والاستقراء، وهذا النوع من المعرفة هو مظهر الحضارة المادية، ومثاله علوم الطب والهندسة والزراعة، وكل علم يصب في المصلحة الدنيوية للإنسان.

وأن من الكمال و الجمال الذي یناشده کل مسلم و مسلمة في الاستجابة لهذا الفرض أن یجمع بین نوعي المعرفة في توازن واعتدال.

فلیس من الکمال في شيء أن نرى الانسان رجلاً كان أو امرأة ذاهباً وراء تعلم العلوم المكتسبة المادية، تاركاً العلم والمعرفة بالله ورسوله واوليائه المعصومين، وبما يتحتم عليه العلم به من واجبات شرعية ودينية منوطة به.

فكثيراً ما نجد المرأة مدرسة أو طبيبة او ممتهنة لمهنة لها الشأن الرفيع في عالم اليوم، إلا انها ليس لها أي علم بأدنى مسألة عقدية او فقهية.

بل لربما تجهل حتى امور طهارتها التي هي من اساسيات السمو الحضاري للمرأة المسلمة المؤمنة.

وإن في ذلك البيان الحقيقي لمستوى الرغبة الحقيقة عند هذه المرأة للعلم، فما العلم في حقيقته إلا إزالة أمية الحياة، وإزالة الجهل بالسلوك الإنساني السوي.

وقد اوضح فقهاء الإسلام أن العلم الذي تتعلمه المرأة على نوعين:

الأول: وهو الذي يكون بمثابة فرض عين، بمعنى أنه يجب على كل امرأة مهما قلّ شأنها أو ارتفع أن تتعلمه، وهو ذلك العلم الذي تتعلم به أسس وقواعد العبادات والعقائد والسلوك الإسلامي العام، وأسس تربية الأولاد وتدبير المنزل.

الثاني: وهو ما يكون بمثابة فرض كفاية، أي إذا قام به البعض من النساء وكان بهم الاكتفاء سقط عن الأخريات، وهو ذلك النوع من التعلم الذي تحتاج اليه الأمة من طبيبات لأمراض النساء والأطفال، وحكيمات وممرضات، ومدرسات لتعليم البنات، إلى غير ذلك من أنواع التعليم الذي يلزم للمرأة.

وإن من الكمال في المرأة أن تولي رضي الله سبحانه وتعالى بتعلم شريعته، وفهم الواجبات الشرعية المحتمة عليها منه عز وجل، ومن ثم تتوجه لتتعلم كل علم مباح يساهم في خدمة الإنسانية.

وعلى المرأة المؤمنة أن تتجه بثقافتها وتعليمها الى ما يخدم وظيفتها الطبيعية، من رعاية بيتها واولادها دينياً وثقافياً، واجتماعياً وعلمياً، وغذائياً وصحياً.

فالوظيفة الأولى للمرأة هي تربية الأجيال، وتربية الأبناء والبنات على الخلق القويم الذي يحثنا عليه ديننا العظيم.

وإن من ما يتفق عليه العقلاء ان المرأة المتعلمة أقدر على متابعة اولادها وإدراك حاجاتهم النفسية والعقلية، كما انها اقدر على تفهم الحياة، وطبيعة المجتمع، والقيام بدور في سبيل المشاركة في نموه وارتقائه وسعادته.

فالمرأة العاقلة المؤمنة مهما تعلمت ولأي منزلة أكاديمية وصلت، وبأي حرفة اشتغلت، لن ينسيها ذلك واجبها الإلهي في تحصيل العلم المفروض عليها، وهو العلم الذي يؤسس الارتقاء لها في عالم اليوم الذي تزدحم فيه الماديات، وبذلك تكون جامعة مانعة لعلوم الدين وعلوم الدنيا، وعند ذلك ستكون المنارة الحقيقية التي تضيء لأطفالنا الظلمات في حياتهم، وتكون قد تشبعت بما علمت من العاطفة والشفقة والحنان الانثوي المعتدل، فإنها كلما تنورت بالعلم والفهم لدين الله وشريعته، وعلوم الدنيا بمختلف تنوعها أدركت مسؤوليتها اكثر وأحست بعمق المسؤولية الإلهية المنوطة بها، فما العلم في حقيقته وماهيته إلا منار للعقل.

قال الصادق عليه السلام: إن المؤمن يخشع له كل شيء، ويهابه كل شيء. ثم قال: إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كل شيء، حتى هوام الأرض وسباعها وطير السماء وحيتان البحر.

قال الإمام علي عليه السلام: المؤمنون خيراتهم مأمولة، وشرورهم مأمونة.

قال الإمام الباقر عليه السلام: إن الله اعطى المؤمن ثلاث خصال: العزّ في الدنيا وفي دينه، والفلح في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين.

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: علامات المؤمن خمس: الورع في الخلوة، والصدقة في القلة، والصبر عند المصيبة، والحلم عند الغضب، والصدق عند الخوف.

قال الإمام علي عليه السلام: افضل المؤمنين إيماناً من كان لله أخذُهُ وعطاهُ وسخطهُ ورضاه.

الكاتب صالح الحمادي

صالح الحمادي

مواضيع متعلقة