كشكول الوائلي _ 148

img

جزاء المجاهد في سبيل اللّه

ثم قالت الآية الكريمة: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ فإن هؤلاء قد يمرّون بدور يصلون فيه إلى نهاية المطاف، فيرون أنهم قد أضاعوا حياتهم، وأنها لم تكن سوى فراغ مقيت؛ حيث إنهم لم يملؤوها بما يتوجّب على الإنسان فعله، وربما التفتوا إلى أخطائهم.

وحينما يتناول القرطبي هذا المقطع من الآية الكريمة يقول: « عن ابن عبّاس أنه إذا عسرت على المرأة الولادة تكتب هذا المقطع ـ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ـ وقوله تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا(1) في صحيفة، ويكتب: اللّه‏ رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ثم تغسل بالماء، ويعطى للمرأة فتشرب منه، فإنها تضع جنينها»(2).

وهذه الرواية واردة بالطريق المعلّق (3)، أي روى فلان من الصحابة، من دون ذكر السند حتّى يمكن أن يعرف أن الراوي ثقة أم لا. والعلماء لا يعملون بالحديث المعلّق.

وهذه الرواية أيضا يرويها عكرمة، وهو إن لم يكن خارجيّا فإنه يميل إلى رأي الخوارج. وكان معروفا بالكذب؛ ولذا فإن علي بن عبد اللّه‏ بن عباس ربطه بباب الكنيف ـ وقيل: على باب حشّ ـ فقالوا له: إن هذا صاحب أبيك! قال: إنه يكذب على أبي (4). ذلك أن عكرمة كان متأثّرا بالفكر اليهودي، غير أن بعض العلماء يعتمد على نقله.

أمّا بالنسبة للرواية فلاشك أن القرآن الكريم له تأثير إيجابي: وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمؤمنينَ (5)، لكن الموضع الذي يثبت فيه الشفاء إنما يكون بالرواية الموثوقة، أوبآية قرآنية، كقوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا (6). وهو ذو فائدة لكلّ النساء الحوامل والمراضع؛ لأنه غني بالمعادن؛ ولهذا فإن الفراعنة نحتوا الرطب في قبورهم وأهراماتهم. وقد أمر اللّه‏ تعالى مريم عليه السلام أن تأكل من الرطب؛ لما يحويه من طاقة يمكن أن يوفّرها لها، كما أن له آثارا صحّيّة إيجابية اُخرى.

كما أن الرطب والتمر يعتبران من الغذاء الذي أراده اللّه‏ تعالى حتّى للمجاهدين، وقد أرشد إليه النبي صلى الله عليه وآله خلال غزواته، كان أحد الصحابة ـ وهو عمير ـ قد وضع في فمه تمرات حينما سمع النبي يقول: « والذي نفسي بيده، لا يقاتل هؤلاء القوم أحد صابرا محتسبا ولا يهرب إلاّ أدخله اللّه‏ الجنة ». فقال عمير: بخٍ بخٍ، ليس بيني وبين دخول الجنة إلاّ هذه التميرات. ثم ألقاها إلى الأرض وانغمس في لهوات الحرب حتّى قتل (7). وهكذا كان طعام المجاهدين التمر.

إن الله تعالى قد وعد الشهداء بجنتين هما: جنّة الآخرة، وجنّة الدنيا التي هي الراحة النفسية والذكر الخالد. فالمجاهد الذي يعرف أنه يقاتل دفاعا عن مبادئ الإسلام يخرج من الدنيا وفي نفسه جنّة، أما الذي يقاتل من أجل فكرة مجرمة فإنه يعرف أنه سيذهب إلى الجحيم.

إذن الجنّة جنّتان: جنّة ذاتية، وجنّة موضوعية؛ ولذا فإن اللّه‏ تعالى قد وعد الشهداء بهذا المعنى.

يتبع…

__________________

(1) النازعات: 46.

(2) الجامع لأحكام القرآن 16: 222.

(3) وكذا رواه مقطوعا في مكارم الأخلاق 379 ـ 380، 393 ـ 394، وعنه في بحار الأنوار 92: 121، لكنه نسبه للإمام الصادق عليه السلام مع أن الطبرسي لم ينسبه له عليه السلام .

(4) فتح الباري / المقدمة: 425، الضعفاء ( العقيلي ) 3: 373، تهذيب الكمال 20: 280، ميزان الاعتدال 3: 94، سير أعلام النبلاء 5: 23. ومرّ تحقيق كونه كاذبا في ج3 ص31 من موسوعة محاضرات الوائلي.

(5) الإسراء: 82.

(6) مريم: 25.

(7) المستدرك على الصحيحين 3: 426، تاريخ الإسلام 2: 91.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة