كشكول الوائلي _ 142

img

المبحث الثاني: إفرازات الهجرة الشريفة

وهكذا استدعى النبي صلى الله عليه وآله الإمام عليا عليه السلام فأضجعه مكانه، وخرج. ولنا أن نسأل: ما هي الخطوات التي خطاها رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله؟ وهل كان فيها إيحائية وتدريب الناس؟ نعم كان كلّ ذلك ممّا يمكن إجماله بالآتي:

أولاً: وضع قاعدة إنسانية على مستوى الممارسة الفعلية

فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بهجرته الشريفة يكون قد وضع لنا قاعدة إنسانية ربما احتجنا أن نمارسها في حياتنا العملية. فنحن عندما نزرع أرضا ولا تنبت يحب أن ننتقل لأرض اُخرى نزرعها، وهذا عين ما فعله النبي الأعظم صلى الله عليه وآله؛ حيث إنه بقي في مكة ثلاث عشرة سنة ولم يجنِ إلاّ الحجارة، ولم يتّبعه إلاّ قليل، فرأى أن التربة غير صالحة لبذر الرسالة ونموّها، وأن المناخ غير صالح، فلا بدّ أن ينتقل إلى مناخ آخر. ذلك أن الناس معادن؛ فبعضهم خسيس كالأرض البور، يقول القرآن الكريم: وَكَانُوا قَوْما بُورا(1).

أي أنهم أرضية ليس فيها خير ولا تعطي أي نتيجة. فهؤلاء تذهب معهم كلّ الحلول سدى وإن تكرّرت عدّة مرّات. وفي مثل هذا الحال يجب تركهم: إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَـبْتَ(2)؛ ولذا اضطرّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أن ينقل الدعوة من بيئة إلى اُخرى. وهذا سلوك إنساني يفعله المصلحون حينما يرون أنهم لم يفلحوا في مكان فيعمدوا إلى أن ينقلوا حركتهم إلى مكان آخر.

فنبينا صلى الله عليه وآله أراد أن يؤصّل هذا المعنى في نفوسنا، فقنّن لنا فكرة أن الناس كالأرض ليس لبعضهم القابلية على الإنبات، فانتقل بحركته الشريفة إلى دار اُخرى.

وهذا ـ ببالغ الأسف ـ ما حصل مع إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلم تعطِه التربة حقّها، وكان مظلوما، (نسأل اللّه‏ أن يجعلنا ممّن يبجّل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأصحابه، لأنهم الواسطة بيننا وبين رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله للوصول إلى عقائدنا)، لكن ينبغي ألاّ نتعدّى القرآن الكريم حيث وضع لنا منهجا في ذلك فقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * اُوْلَئِكَ المُـقَـرَّبُونَ(3). فمن أصحاب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله من يعبّر عنهم القرآن الكريم بقوله: خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحا وَآخَرَ سَيِّـئا(4) وعبّر عن جماعة اُخرى بقوله: وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ(5). وبهذا فإن منهجنا منهج القرآن لا يعدوه، وهو قد ذكر أ نّه: لا يَسْتَوِي أصْحَابُ النَّارِ وَأصْحَابُ الجَنَّةِ(6) و هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(7).

فهذه أول خطوة للرسول صلى الله عليه وآله، وهي نقل الدعوة، وقد أثمرت في البيئة الجديدة ثمرا رائعا؛ حيث إن الأنصار احتضنوها وقاموا بها.

يتبع…

_________________

(1) الفرقان: 18، وقال تعالى: « وَكُنْتُمْ قَوْما بُورًا » الفتح: 12.

(2) القصص: 56.

(3) الواقعة: 10 ـ 11.

(4) التوبة: 102.

(5) التوبة: 101.

(6) الحشر: 20.

(7) الزمر: 9.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة