كشكول الوائلي _ 138

img

تشيّع المتنبي

إن مما يجدر ذكره هنا أنّ المتنبي تلوح عليه سيما التشيّع والميل إلى الجانب العلوي، ومن ذلك ما نقرؤه له:

فوءاد ما تسلّيه المدامُ *** وعمر مثل ما تهب اللئامُ

ودهر ناسه ناس صغار *** وإن كانت لهم جثث ضخامُ

وما أنا منهُمُ بالعيش فيهم *** ولكن معدن الذهب الرغامُ

فشبه الشيء منجذب إليه *** وأشبهنا بدنيانا الطغامُ

ولو لم يعل إلاّ ذو محلّ *** تعالى الجيش وانحطّ القتامُ(1)

ويقول:

أنا في اُمّة تداركها اللـ *** ـه غريب كصالح في ثمودِ

ما مقامي بأرض نحلة اّلاّ *** كمقام المسيح بين اليهودِ(2)

وكان حينما يدخل مصر يلبس العمّة الخضراء، وهي لباس السادة، لكنه نشأ في مكان اضطر إلى أن يخفي مذهبه ويتستّر بعقيدته.

الإسلام يؤسّس لحماية البيئة

إذن فقوله تعالى: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا يؤسّس لقواعد حماية الأرض والبيئة، فلنرَ كيف أنّ هذا الجزء من الآية الشريفة يؤسّس لهذه القضية الحيويّة الهامّة:

أوّلاً: خطر التلوّث البصري

إن آراء المفسّرين حول هذا المقطع الكريم واضحة في أنّ الإسلام هو أوّل من وضع الأسس لحماية اُمّنا الطيبة (الأرض) من كل ما له أثر سلبي وسيّئ على سير الحياة فيها وعليها؛ والشيخ الطبرسي مثلاً يقول في تفسيره لهذا الجزء الشريف: «أمركم بعمارتها بالبناء وغرس الأشجار وعدم الإضرار بها». وهناك الكثير من الأحكام الإسلامية الخاصّة بالمحافظة على البيئة وعدم الإضرار بها، وهي تتناول حتى الضوضاء والضجيج: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(3). يروى أن رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله كان في غزاة، فأشرفوا على وادٍ، فجعل الناس يهلّلون ويكبّرون ويرفعون أصواتهم، فقال صلى الله عليه وآله: « أيها الناس أربعوا على أنفسكم، أما إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، وإنما تدعون سميعا قريبا معكم»(4).

فلا حاجة لرفع الصوت في مثل هذه المواطن بل اتجه إلى اللّه‏ تعالى بهدوء وادعُه كما تحبّ وبأي شيء تحبّ، كما أنّ الكلام مع الجليس يجب أن يكون بمقدار ما يسمع الجليس.

ثانياٌ: خطر تلويث المياه

ومن أحكام المحافظة على الأرض وعدم إلحاق الضرر بها قوله صلى الله عليه وآله: «ولا يبولن أحد في ماء؛ فإن للماء أهلاً»(5)؛ إذ أن الواجب يقضي بأن على الإنسان أن يراعي مسألة أن غيره سيستعمل هذا الماء للشرب، أو غيره من الاستعمالات التي يجب أن يكون الماء فيها نقيّا طاهرا، وصحيّا؛ لأجل الحفاظ على صحة الإنسان. فهذا النهي وغيره من موارد النهي عن تلويث الأنهر أدلّة واضحة على حثّ الإسلام على عدم تلويث البيئة ووضع القوانين والاُسس لهذا.

ثالثاٌ: خطر تلويث التربة

ومن هذه الاُسس أيضا ما شرعه الإسلام ـ وكان سبّاقا فيه ـ حول إماطة الأذى عن طريق المسلمين، يروى أن السجّاد عليه السلام كان لا يرى حجرا في الطريق إلاّ أماطه.

ولو نظرنا إلى جملة من الأحكام المختصّة بهذا المجال لوجدناها كافّة تنصبّ على حرص المشرّع الإسلامي المقدّس على الحفاظ على البيئة طيبة سليمة نقية من كل ما يدنّسها، وخصوصا اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فإن الإنسان مأمور بإعمار الأرض وإسعاد من فيها لا خرابها وتعاستهم.

يتبع…

_____________________

(1) ديوان المتنبي 2: 101.

(2) ديوان المتنبي 1: 19، معجم البلدان 5: 275، وفيه: نحلة قرية تبعد عن بعلبك ثلاثة أميال.

(3) لقمان: 19.

(4) بحار الأنوار 9: 343، مسند أحمد 4: 394، 403، 407، 418، صحيح البخاري 4: 16، 75، 126، 7: 162، 169، 213، 8: 168.

(5) قريب منه في الخصال: 613، الاستبصار 1: 13 ـ 14 / 25، تهذيب الأحكام 1: 34 / 90، تحف العقول: 102.

 

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة