الشعر.. إلمام وإلهام _ 5

img

يقول العلاّمة الأميني (رحمه الله): وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحثُّ الشعراء إلى هذه الناحية، ويأمرهم بالاحتفاظ بها، ويرشدهم إلى أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم، وتاريخ نشأتهم ممّن يعرفها وهجائهم، كما كان يأمرهم بتعلّم القرآن العزيز، وكان يراه نصرةً للإسلام وجهاداً دون الدين الحنيف، وكان يصوِّر للشاعر جهاده وينصّ به، ويقول:

«اهجوا بالشعر؛ إنّ المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والّذي نفس محمد بيده كأنّما تنضحونهم بالنبل».

وفي لفظ آخر: «فكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل».

فلا شك أن الذوق الشعري والفن الشاعري كسائر رؤوس الأموال له قيمته في صورة ما لو استعمل استعمالاً صحيحاً وله أثر إيجابي، إلاّ أنّه إذا صار وسيلة تخريب وهدم للبناء العقائدي والأخلاقي في المجتمع فلا قيمة له، بل يعتبر وسيلة ضارة عندئذٍ.

ولكن من يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة، وهي أن الأشعار البنّاءة والهادفة على امتداد التاريخ خلقت طاقات كثيرة وحماسة قصوى، وربّما عبأت اُمة مغلوبة بوجه أعدائها، فشدتها على العدوّ فهزمته وانتصرت بهذه الأشعار.

إن الشعر كما قال عنه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن من الشعر لحكمة، وإنّ من البيان لسحراً».

وللكلمات الموزونة وإيقاعها ـ أحياناً ـ مضاء السيف ونفوذ السهم في قلب العدو.

ففي بعض أحاديث الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في مثل هذه الأشعار ـ أنه قال: «… والذي نفس محمد بيده فكأنّما تنضحونهم بالنبل».

إلاّ أنّه من المؤسف أنه على طول التاريخ أسقط جماعة هذه المنحة الإلهية والذوق اللطيف، الذي هو من أجمل مظاهر الخلق، فأنزلوه من أوْجه إلى الحضيض، وكذبوا فيه كثيراً حتى قيل في المثل المعروف: «أعذبه أكذبه».

وربّما سخّروه في خدمة الجبابرة والظالمين وتملّقوا لهم، رجاء صلة محتقرة رخيصة، أو أنّهم أفرطوا في وصف الشراب والفجور والفسق أحياناً، إلى درجة يخجل القلم عن ذكرها! وربّما أشعلوا الحروب بنيران أشعارهم، وجروا الناس إلى القتل والغارات، ولطخوا الأرض بدماء الأبرياء.

إلاّ أن في الطرف الآخر ـ وفي قبالهم ـ الشعراء الذين آمنوا بمبدئهم، واشتدت همتهم، فسخّروا هذه القريحة الملكوتية في سبيل حرية الناس والتقوى، ومواجهة اللصوص والمستكبرين والجبابرة، فبلغوا أوج الفخر! وربّما دافعوا عن الحق فاشتروا بكل بيت من أبيات شعرهم بيتاً في الجنّة.

ربما وقفوا في وجوه حكام الظلم والجور كبني أمية وبني العباس الذين كانوا يحبسون الأنفاس في الصدور، فتُجلى القلوب بقصيدة كقصيدة دعبل «مدارس آيات خلت من تلاوة»، وأماطوا عن الحقّ لثام الباطل، فكأنّما كان يجري على لسانهم روح القدس.

وربّما أنشدوا الأشعار لإنهاض المضطهدين الذين كانوا يحسّون في أنفسهم الاحتقاروالازدراء من قبل الظلمة، فهاجوهم وأثاروهم بتلك الأشعار.

إنّ موقف الأئمّة (عليهم السلام) من الشعر والشعراء هو نفس موقف جدّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك، فقد كان الشعراء الموالون يقصدون بيوتهم وينشدون قريضهم لهم تقرباً إلى الله تبارك وتعالى، وربما عقد بعض الأئمّة عليهم السلام مجلساً لإنشاد الشعر.

بنت الحوراء

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة