الشعر.. إلمام وإلهام _ 4

img

ثانياً: الشعر الهادف الذي يدعو إلى الأخلاق والمُـثُل العليا وصلاح المجتمع ويوقظ شعور أبنائه الصالحين ويدعوهم إلى الحرية ومكافحة الظالمين، فهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه وقال: ﴿إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَذَكَرُوا الله كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ﴾.

إنّ تاريخ الأدب العربي في الإسلام يشهد بأنّ الصادع بالحق وآله الكرام (عليهم السلام) قد صقَّلوا قرائح الشعراء ووجّهوها إلى ما فيه صلاح المجتمع لأجل إقرار القيم الأخلاقية، ولذلك نرى أنّه عندما أنشد شاعر من (كنانة) شعره أمام الرسول وقال:

لك الحمد والحمد ممن شكر *** سُقِينـا بـوجـه النبـي المطـر

روى الشيخ الطوسي في الأمالي: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّه: «بوّأك الله بكلّ بيت قلتَه بيتاً في الجنة».

ولما استسقى المسلمون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسُقوا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «للّه در أبي طالب لقرّت عيناه، مَن ينشدنا قوله؟».

فقام عمر بن الخطاب فقال: عسى أردت يا رسول اللّه:

وما حملتْ من ناقة فوق ظهرها *** أبـرَّ وأوفـى ذمــةً مـن محمّـد

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليس هذا من قول أبي طالب، هذا من قول حسّان بن ثابت».

فقام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: كأنّك أردت يا رسول اللّه:

وابيض يُستسقى الغمامُ بوجهه *** ثمالُ اليتامى عِصمةٌ للأرامـل

تلوذُ به الهلاّك من آلِ هاشــم *** فهم عنده في نعمة وفـواضـلِ

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أجل».

وهذا هو كعب بن زهير الّذي قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تائباً وأنشد قصيدته المعروفة الّتي مستهلها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول *** متيّم أثرها لـم يفـد مكبـول

قال ابن هشام: وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان قال: أنشد كعب بن زهير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ***………………

قال ابن هشام: ويقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له ـ حين أنشد:

«بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ***………………………

: ولا ذكرت الأنصار بخير، فإنّهم لذلك أهل». فنظم كعب قريضاً خصّ الأنصار بالمدح وقال:

من سرّه كرم الحيـاة فـلا يـزل *** في مقنب من صالحي الأنصار

ورثوا المكارم كابراً عن كـابر *** إنّ الخيار همُ بـنـو الأخيـار

فلولا أنّ الشعر الهادف الذي يتبنّى القيم والأخلاق ويرشد المجتمع إلى الصلاح والفلاح كان أمراً محبوباً وشيئاً مطلوباً، لما صرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقته الشريف في استماع قصيدة كعب بن زهير البالغ عدد أبياتها 58 بيتاً. فإذا أُضيف إليها ما أنشده كعب في مدح الأنصار لناهز عدد القصيدتين اللّتين أنشدهما في محضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين بيتاً.

ولما قدّره النبي وكساه بردة اشتراها معاوية بعد ذلك بعشرين ألف درهم، وهي التي يلبسها الخلفاء في العيدين.

وذكر الحاكم في مستدركه أنّه لما أنشد كعب قصيدته عند رسول الله وبلغ قوله:

إنّ الرسول لسيف يستضاء به *** وصارم من سيوف الله مسلول

أشار النبي بكُمه إلى الخلق ليسمعوا منه، ويروى أنّ كعباً أنشد: من سيوف الهند، فقال النبي: «من سيوف الله».

بنت الحوراء

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة