الشعر.. إلمام وإلهام _ 2

img

الزاوية الثانية: حقيقة تأثيره في النفس.

بداية لابد من التعرف على الأركان المقومة للكلام الشعري.

اعتبار الوزن والقافية، وهذا معتبر عند الفرس والترك، كما هو عند العرب الذين وضعوا الأوزان الخاصة في علم العروض واعتبارات القافية، فما لم يكن الكلام موزوناً مقفى وإن اشتمل على القضايا المخيلات.

حتى يكون مؤثراً في النفس لابد من أن يكون فيه تخييل وتصوير.

وهذا ما ذهب إليه قدماء المناطقة من اليونانيين، جعلوا المادة المقومة للشعر القضايا المتخيلات فقط، ولم يعتبروا فيه الركن الأول وإن كان الشيخ الرئيس قد ذكر أنه لليونانيين أسماء أوزان شعرية خاصة.

على ضوء ما ذكرناه يكون سبب تأثيره إذاً لأن للوزن أولاً أثره في التخيل وانفعال النفس بسبب موسيقيته التي تحفز النفس ويلهب شعورها وتضفي القافية بعد ذلك أثرها الخاص. وغير خافٍ عليكم أن الكلام الموزون المقفى يفعل في النفوس ما لايفعله الكلام المنثور، حيث إن ثمةَ أوزان تثير الحزن وبعضها يثير الفرح، لدرجة أنك تسمع وزناً لكلام أعجمي عنك فيثير حزنك وأنت لم تعِ كلامه.

وعليه كذلك، فإن الكلام المنظوم المقفى مالم يشتمل على التصوير والتخييل لا يعد شعراً عند المناطقة، بل يطلق عليه نظماً كما يعبر الجاحظ: فإنما الشعر صناعة وضربٌ من النسيج وجنس من التصوير.

كما يعبر المناطقة: هذا الكلام المشتمل على المخيلات يؤثر في النفس؛ لأن الجمهور والنفوس التي لم تُهذّب قواها من الوهم والخيال ولم تكن مطيعة للعقل تتأثر بالمخيلات أكثر من تأثرها بالحقائق، والسبب الحقيقي لانفعال النفس بالقضايا المخيلات هو الاستغراب الذي يحصل لها بتخييلها، وهذا ما يفسر تحبيب المخيل لأمر قد يكون مبغوضاً والعكس.

وهنا يجدر الإشارة إلى ضرورة الحذر من فخاخ الأعداء التي تنصب في وسائل التواصل الاجتماعي عبر نسبة أبيات مختلقة للسادة العظام، وقد غلب نسبتها لأمير الفصاحة وسيد البلاغة: أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمؤلم أن البعض يسارع بنشرها ـ منساقاً وراء عبارة على حبّ الإمام وغيرها ـ دون أدنى محاولة للتّثبت من صحة هذه النسبة، والحال أن بعضه فاقد لضوابط الوزن والقافية؛ إما لعدم صحة نقله إن صحت نسبته للإمام وإما لأنه لا أصل لصحة هذه النسبة للإمام، بسبب مضامينه غير العالية التي لا تتناسب مع شأن سيد البلغاء.

بنت الحوراء

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة