كشكول الوائلي _ 131

img

رجـع

وممن حضر في الطف من أولاد الإمام الحسن ولم يقتل ابنه عمر، وكان مريضا، وعمره (11) أو (13) عاما، وقد جيء به أسيرا واُدخل إلى مجلس عبيد اللّه‏ ومجلس يزيد، وقد سأله يزيد: من أنت؟ قال: أنا ابن الحسن. قال: هل لك أن تصارع ابني خالدا؟ قال: أنا مريض، لكن أعطني سكينا وأعطه سكينا، فإما أن يقتلني فألحق بآبائي، أو أقتله فيلحق بآبائه.

فعرف يزيد أنها كلمة رجل. فقال:

شنشنة أعرفها من أخزم *** هل تلد الحية إلا حيه(1)

وهناك من أبناء الحسن من ينص عليه المؤرّخون أنه حضر يوم الطف، ويذكرون أن اُمه شهربانويه أخت شاه زنان، فيكون على هذا ابن خالة الإمام زين العابدين عليه السلام . وهو على رواية أن أباه عليه السلام تركه في بطن اُمه، وعلى اُخرى أن عمره كان (10) سنوات أو (11) سنة، أي في عمر القاسم. فلما سقط الحسين عليه السلام على الأرض يوم كربلاء، خرج من الخيمة يعدو، فرآه الحسين عليه السلام وكان لا يقوى على الحركة، فصاح باُخته: «أمسكيه لئلاّ تأخذه حوافر الخيل».

فبادرت إليه لتمسكه، فأفلت منها، وأقبل يعدو حتى جلس في حجر عمه. فأدناه الحسين إليه، ومسح بيده على رأسه، وبينا هو كذلك إذ أقبل أبجر بن كعب فرفع سيفه يريد ضرب الحسين عليه السلام ، فالتفت إليه الصبي قائلاً: يا بن اللخناء، تريد أن تضرب عمي؟ واتقى الضربة بيده، فقطعت يده، وبقيت معلّقة بالجلد. فصاح: أدركني يا عماه. فضمّه الحسين وهو يقول: « صبرا ولدي، صبرا بني الكرام، واللّه لا لقيتم هوانا بعد هذا اليوم، إن الموت قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّ إلى جنان اللّه الواسعة والنعم الدائمة. فأيكم يكره أنه ينتقل من سجن إلى قصر؟ وهؤلاء أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم. إن أبي حدّثني عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر »(2).

ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: « اللهم اشدد وطأتك على هؤلاء القوم؛ إنهم دعونا لينصرونا، فوثبوا علينا فقاتلونا »(3).

ولم أرَ من بنات الحسن من حضرت إلى الطف، وكان له من البنات سبع. منهن اُم سلمة ورقية وفاطمة. أما الأولاد فقد حضر منهم من ذكرنا، كما حضر القاسم بن الحسن، وكان عمره يوم الطف (9) سنوات أو (10) أو (11) سنة على ثلاث روايات. وقد كان آخر من صرع كما يظهر من الروايات؛ لأنه كان داخل الخيمة، فلما لم يبقَ مع الحسين أحد من بني هاشم، ورجع آخر رجعة ووقف، سمع القاسم صوت عمه ينادي: «أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه؟»(4). خرج وأمسك بثوب عمه. قال: عم، إني سمعت صوتك، واُريد أن أذبّ عن حرم جدّي. فقال له الحسين عليه السلام : «بني، أنت وديعة عندي من أخي الحسن. ادنُ إليّ». فدنا منه، فشمه وقبله وأعاده إلى الخيمة. فعاود الخروج وهو يقول: يا عمّ، لا أستطيع أن أسمعك تنادي وأنا أجلس في كسر الخباء، ايذن لي. فلم يأذن له، فعاود الثالثة، فقال له الحسين: «أعزمت؟» قال: نعم. فدخل إلى الخيمة وأخرج صندوقا فيه عمامة للإمام الحسن عليه السلام لأنها على رأسه، وألبسه رداء للإمام الحسن عليه السلام أيضا، وقلّده سيفا، ثم قال له: «انزل بارك اللّه‏ فيك». فنزل وهو يرتجز:

إن تنكروني فأنا نجل الحسنْ *** سبطِ النبي المصطفى والمؤتمنْ

هذا حسين كالأسير المرتهنْ *** بين اُناس لا سُقوا صوب المُزُنْ(5)

يتبع…

______________________________

(1) مناقب آل أبى طالب 3: 309، اللهوف في قتلى الطفوف: 85.

(2) تصحيح اعتقادات الصدوق: 52، بحار الأنوار 44: 297 / 2.

(3) انظر: الإرشاد 2: 111، بحار الأنوار 45: 42، وفيهما أنه عليه السلام قالها حين نزل علي الأكبر عليه السلام إلى المعركة، تاريخ الطبري 4: 293، 345، تهذيب التهذيب 2: 304، سير أعلام النبلاء 3: 309، وفيها وفي غيرها أنه عليه السلام قالها حين قتل صبي له، باختلاف في اللفظ في الجميع.

(4) كشف الغمّة 2: 261، اللهوف في قتلى الطفوف: 61، بحار الأنوار 45: 12.

(5) مناقب آل أبي طالب 3: 255، مقتل الإمام الحسين عليه السلام (الخوارزمي) 2: 29.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة