كشكول الوائلي _ 128

img

الثانية: فرية أنه مذواق مطلاق

إن هذه الفرية المختلقة تقول: إن الإمام الحسن تزوج ثلاثمئة امرأة، وهي فرية لا أساس لها، بل إن هناك رواية تقول: إنه مر يوما بلُمّة من النساء فقال لهن: «من منكن تتزوج ابن رسول اللّه‏؟». فقلن له: كلّنا مطلقاتك.

وأنا أسأل هذا السؤال: لو أنك مررت بأدنى الناس أخلاقا (ابن شارع) وسمعته يقول لمجموعة من النساء: من منكن تتزوجني؟ فهل تقبل منه ذلك؟ فكيف تقبله من خليفة من خلفاء المسلمين، وسيد شباب أهل الجنة(1)، وابن رسول اللّه‏؟ إنه عليه السلام صاحب مركز مرموق لا يتناسب معه هذا الكذب والافتراء. إن هناك ما يسمى بـ « مناسبة الحكم للموضوع » فهل تساعد مناسبة الحكم للموضوع ما سمعت من أنه يمر بمجموعة من النساء ويسألهن: من منكن تحب أن تتزوج ابن رسول اللّه‏؟ وهل يقدم على هذا العمل ذو مكانة ومقام كريم، وقائد من قواد المسلمين، ومن يحبه النبي صلى الله عليه وآله ويقول عنه: « أحب اللّه‏ من أحبه ». وكان يحمله على كتفه، ويعبر عنه بأنه « سيّد ».

الثالثة: إن كانت هذه نساؤه فأين أولاده

إن الإمام الحسن عليه السلام مات وعمره (46) أو (47) سنة، أي أنه في ريعان شبابه، ثم إنه لم يكن عقيما، فإن كان تزوج هذا العدد من النساء فأين أولاده منهن؟ إن المرأة الواحدة يمكن أن تنجب (15) ولدا، فهل يتناسب عدد أولاده المذكور أوّل هذا المبحث مع عدد النساء المزعومات؟ مع العلم أن الأضواء في التاريخ تسلط عندنا على من يحكم، حتى إن أحدهم يقول عن تاريخنا: إنه تاريخ حكّام لا تاريخ شعوب. وكان الإمام عليه السلام الحسن خليفة وحاكما، ولا شكّ أن الأضواء سلطت عليه، فأين هذا العدد الضخم من النساء؟ وأين من أنجبنهم من الأولاد؟

إن الهدف من إلصاق هذه التهمة بالإمام الحسن عليه السلام هدف واضح، وهو محاولة إسقاط مكانته وهيبته من قلوب الناس وأعينهم. وقد لعب العنصر السياسي دوره هنا، والذي لعب هذا الدور بشكل أكبر إنما هم العباسيون، فأصروا على تشويه صورة الإمام الحسن عليه السلام ، وعلى إبرازه للناس بشكل يوحي أنه إنسان لا شغل له سوى الزواج والطلاق. رووا أن الإمام عليّا عليه السلام قال: « لا تزوجوا الحسن؛ فإنه رجل مطلاق ». فقام رجل من همدان فقال: بلى والله لنزوجنّه وهو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وابن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فإن شاء أمسك وإن شاء طلق(2).

وهذا كما رأيت لا يتناسب معه، ولا يستقيم أمام النقد أبدا. وقد أراد العباسيون أن يصوروا العلويين على أنهم ضعفاء منصرفون إلى شهواتهم ولذائذهم.

والغريب أن الأضواء لم تسلّط على من تزوجوا عددا كبيرا من النساء فعلاً، فهناك من بني اُمية من تزوج (62) امرأة، والمتوكل العباسي كان لديه (4000) سرية (3). ويمكنك مراجعة تاريخ الطبري والمسعودي وغيرهما (4). وهذه الأربعة آلاف موزّعة على قصوره، لكن، هل سمعت أحدا من المؤرخين ينتقده؟ أم أنهم يصفونه أنه محيي السنة ومميت البدعة؟(5). وقد كان يتقرب إلى اللّه‏ بشتم علي بن أبي طالب عليه السلام (6)، لذا تجد التاريخ يصفه بهذه الأوصاف. وهذه من الثغرات التي

يجب أن تصحّح في تاريخنا؛ لأن التاريخ كتب في العصور الملغمة، وآثار ذلك سوف تنسحب على الأجيال، فعلى المراكز الإسلامية أن تنتبه لذلك، وتصحّح مسار تاريخنا وهدف مسيرتها.

يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ( المذاهب الإسلامية ): «ليس من المعقول أن يشتم الاُمويّون علي بن أبي طالب على المنبر صباح مساء، ثم يكتبون له في تاريخهم فضيلة». وماقاله عين الصواب؛ لأنهم إن كتبوا له فضيلة وهم يشتمونه كان ذلك تناقضا.

إذن ينبغي أن ينظّف التاريخ من روايات المدح والقدح والمبالغة وغير ذلك مما ليس في محلّه، وإلاّ فما ذنب الجيل إذا زودناه بهذا الزاد؟ إنك ترى أننا إذا اُصبنا بوباء بسيط في بلداننا، فإننا نقوم بحملة صحّيّة واسعة للقضاء عليه، فلم لا نفعل ذلك مع الوباء الفكري والعقيدي؟

يتبع…

__________________

(1) فضائل الصحابة (أحمد بن حنبل): 20، 58، 76، مسند أحمد 3: 3، 62، 64، 82، 5: 391، 392، سنن ابن ماجة 1: 44، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 321، 326، المستدرك على الصحيحين 3: 167، 167، 167، 381، صحيح مسلم بشرح النووي 16: 41، وغيرها كثير.

(2) سير أعلام النبلاء 3: 253، 262، البداية والنهاية 8: 43، وقد رواه الكليني في الكافي 6: 56 / 4.

(3) سير أعلام النبلاء 12: 40.

(4) البداية والنهاية 10: 238 ـ 239، 241.

(5) البداية والنهاية 13: 239.

(6) شجرة طوبى 1: 157، الكامل في التاريخ 7: 55 ـ 56، قال ابن الأثير: وكان المتوكّل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولّى عليّا وأهله بأخذ المال والدم، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث، وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكّل والمغنّون يغنون: قد أقبل الأصلع البطين، خليفة المسلمين. يحكي بذلك عليّا عليه السلام والمتوكل يشرب ويضحك، ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر فأومأ إلى عبادة يتهدّده، فسكت خوفا منه، فقال المتوكّل: ما حالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين، إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمّك، وشيخ أهل بيتك، وبه فخرك، فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه. فقال المتوكّل للمغنّين: غنّوا جميعا:

غار الفتى لابن عمّهْ *** رأس الفتى في حِرِ امّه

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة