شعراء القطيف (المرهون)

img

{42}العلاّمة الشيخ محمد النمر

المتولّد سنة ( 1277 ) والمتوفّى سنة ( 1348 )

هو العلاّمة الحجّة الشيخ محمد بن ناصر بن علي بن أحمد بن علي بن حسين بن عبد اللّه‏ آل نمر العوامي. علاّمة علم، وحجة للإسلام مشهور، وطبيب حاذق في الحكمة الاءلهية والبدنية على السواء، ومجاهد حرّ لسانا وقلما. عاش على الاءباء ومات عليه. تلقّى مبادئ علومه على يد أعلام أهالي القطيف، ثم ترحل إلى النجف الأرف، فتلمذ هناك على يد أعلامها وفطاحلها. وبعد زمان عاد إلى البلاد بكل ما يؤهّله للزعامة الدينية، فهو ذلك العالم الفقيه، الورع التقي، وقد أضاف إلى ذلك ما تفرّد به وميّزه عن سائر أعلام الدين ممّا اُوتي من الحكمة الطبية التي تفوّق فيها على الماهرين فيها أمثال الدكتور « هريسن » وغيره، فكان طبيبا دينيا وبدنيا، ومرجعا عاما قد قارنه التوفيق بتسخير اللّه‏ تعالى الشفاء على يده. وقد رأيته أواخر حياته عدة مرات في داره تارة وفي دار أبي اُخرى على أمثل ما يكون من رجال الدين والدنيا والدكاترة النياطسة.

ويوجد الآن مئات من الناس يعترفون بفضله دينا وطبا، ويتأسّفون على فقده، ويعتبرون فقده خسارة لا عوض لها. وقد افتتح مدرسة انضم إليها كثير من الطلاّب، يوجد منهم في يومنا هذا أفراد بعد على قيد الحياة.
وله آثار علمية نظما ونثرا في شتى العلوم. ومن الطريف أنه يدير كل هذه الاُمور بنفسه طبعا، وهو مكفوف البصر، وحتى الكتابة:  ﴿ذَلِك فَضْلُ اللّه‏ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه‏ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [1]﴾. وكان يسكن العوّامية والدبابية، يتردّد بينهما حسب المقتضي. وافاه الحمام على إثر عقدة نفسية أصابته من جرّاء اضطهاد أصاب البلاد وأهلها بالتاريخ المذكور، ودفن في مقبرة العوامية، وقبره معروف يزار. وكان يوم وفاته يوما مشهودا، تاركا وراءه آثاره العلمية، ونظمه في أهل البيت عليهم السلام، نكتفي منه بهذه القصيدة العصماء، كنموذج لما جاشت به قريحته:

في رثاء الحسين عليه السلام

قوّموا السمر هاشم والكعابا *** وامتطوا للنزال جردا صعابا

وانسجوا من طرادها الترب سحبا *** تملأ الجو ظلمة وعذابا

عارضا يحمل الحمام ويسقيـ *** ـه بني حرب شيبها والشبابا

فلكم من أكفّها جرعتكم *** كأس ذلّ ذاقته ذلاًّ وصابا

ولكم أنهلت برغم المعالي *** بيضها الهام منكمُ والرقابا

ما عرفنا لآل حرب مقاما *** قبل يوم الطفوف حتى تهابا

أفعجز عن حربها ولقاها *** أم نكولاً عن ضربها وارتهابا

أو ما حركت إباكم جياد *** عوضت عن صهيلها الانتحابا

أينما كر ذكر يوم الوغى كا *** دت من العزم أن تشقّ الإهابا

هذه بيضكم لطول بقاها *** كسبت من مدى عليها ترابا

هذه سمركم ركزتم ولكن *** لا بصدر الكماة تلك الحرابا

وذه من لظى تلوت ولكن *** لم تجد من يهزّ منها الكعابا

أو لم تسمعوا بيوم حسين *** يوم سدت عليه حرب الرحابا

فاشحذوا في ضرابها كل عضب *** ودّ للضرب أن يعدّ الضرابا

واغسلوا من دمائها كل أرض *** صيرت فوقها دماكم شرابا

واستفزّوا لجمعها كلّ فرد *** لو نحا جمعها لولّى انقلابا

من قبيل إذا أجاروا لجار *** صار من دونهم مجيرا مهابا

ولهم خضّع جميع البرايا *** وبهام العلا أشادوا قبابا

وإذا ما الصريخ نادى هلموا *** قبل رجع الصدى أعادوا جوابا

وإذا ما رضيعهم نبهته *** للوغى هزّة تمنى الحرابا

وإذا ما الوغى تعالى لظاها *** حيث أهل السما تخاف التهابا

أطفؤوا نارها بعزم اقتدار *** فترى وقدها كراءٍ سرابا

ولهم في الوغى على كل جمع *** علم خافق يحك السحابا

وإليهم يعود كلّ فخار *** قبل وحي الإله فيهم كتابا

قد بنى اللّه‏ والمواضي إليهم *** فوق هام الفخار بيتا مهابا

لم تزل نارهم دليلاً لطير *** أو لضيف يضيف ما الدهر نابا

وبيوم الطفوف من آل حرب *** جرعوا الحتف فيه صابا فصابا

جاولوا اُسدهم فكانوا نعاما *** وعلوا هضبهم وكانوا ترابا

حاولوا عزهم ونيل علاهم *** ولَنيل السماء أدنى طلابا

أوقفوا بين أن يقيموا بضيم *** أو يبيعوا على المنون الرقابا

فأثاروا لآل سفيان حربا *** دكدك السهل وقعها والهضابا

ألحق الأرض بالسماء وأبدى *** بالظبا الشمس والنهار أغابا

أعلنوا فيه حيث فلّت ظباهم *** أمها الموت للصفوف الضرابا

ذكرت منه آل سفيان يوما *** رفعت فيه بالرماح الكتابا

بلَّغوا السيفَ آلُ طه مناه *** منهُمُ والردى أروه العجابا

ملكوا فيه ما أرادوا ولولا *** أن رضوا بالقضا لحازوا الغلابا

لكن اللّه‏ قد دعاهم لقرب *** فتداعوا إلى السجود اقترابا

فسطا في الجموع فرد المعالي *** من سما الاِقتدار يحكي الشهابا

مفردا ما سطا على الجمع إلاّ *** سدّ منه الردى عليه الرحابا

مفردا جنده المنايا وفيها *** سيفه قائد يقدّ الرقابا

وله الرمح سائق ما تراخى *** حتف نفسي إلاّ ووفّى الحسابا

كلما جنة أماطت حجابا *** عن ردى للردى أماط حجابا

ما هدى سيفه المنايا سبيلاً *** دون أن رمحه هداهن بابا

كلّما استسقياه منه شرابا *** طربا منهما استعاد الشرابا

باسما يحسب المنايا وفودا *** طالبته العطا فحيِّ الطلابا

رابط الجأش والكماة تراها *** طيشا والوغى تزيد اضطرابا

لم يزل سيفه يروّي صداه *** وصدى قلبه يشبّ التهابا

عجبا يشتكي الاُوام جواد *** لم تزل كفّه تمير السحابا

عجبا من له زمام المنايا *** وهو في صدرها أشدّ ارتهابا

ما له قد اُصيب منها بسهم *** كان عرش الجليل منها المصابا

فهوى في الثرى فكادت عليه *** أرضها والسماء تهوي انقلابا

بأبي من كسا من النقع ثوبا *** وكساه الجلال ملقى ثيابا

وصريعا تهابه الخيل ملقى *** كمشنٍّ بها عليها الحرابا

وقتيلاً ما بارح الحرب حتى *** دقت الحرب بيضها والحرابا

عرفت حقّه الحروب فعادت *** مغنما بعد صونها واكتسابا

عجبا تهتف الملائك فيها *** بنبا الوحي روّحا وإيابا

لم تزل بالفتى النزاري قدسا *** وبعين الأنام بيتا مهابا

حرما لا يطاف إلا بإيما *** من بعيد جلالة وارتهابا

فغدا والعداة تمرح فيه *** قد أباحت حريمه والرحابا

كم ترى لا رأيت منها حصانا *** نوزعت فيه قرطها والثيابا

وفتاة بنعيها لو وعتها الـ *** ـصمّ لانت أو الحديد لذابا

لاترى موئلاً فتأوي إليه *** حيث لا قوة تطيق الذهابا

ونساء بدت بغير شعور *** ناشرات الشعور مما أصابا

خافقات الحشا كأن قطاة *** علّقت في الحشا فزاد اضطرابا

هاتفات باُسرة قد اُذيقوا *** دونها الحتف شيبها والشبابا

عاتبات وهل يفيد عتاب *** حيث لا يسمع الصريخ العتابا

ولفرط الظماء لولا أذابت *** قلبها في الدموع كان الشرابا

وعليل تشد منه يمين *** شدّت الأرض أن تسيخ انقلابا

ويرى في السبا ولاة السبايا *** ربقوا بالحبال منها الرقابا

حملت حسّرا بغير وطاء *** وغطاء الدجى إذا البدر غابا

قد أحاك السبا لهن نقابا *** من غبار فما فقدن النقابا

أين عنها حماتها ليروها *** تقطع البيض سهلها والهضابا

قد اُسيقت هدية ليزيد *** زاده اللّه‏ لعنة وعذابا

وعلى طالب الذحول صلاة *** ما بقي يذكر الحزين المصابا

_________________

[1] الحديد: 21.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة