كشكول الوائلي _ 117

img

سلبية الوقوف بوجه الزواج

إذن فهذا من العقبات التي توضع أمام الشباب في طريق الزواج، وهي عقبات أمر الشارع المقدّس بإلغائها وعدم الوقوف في طريق هذا المسار الطبيعي، وفي وجهه؛ لأن اللّه‏ تعالى خلق الزوجين، وأمر بالتزاوج لأجل النسل، وما كان كذلك فمن الخطأ الوقوف ضدّه؛ لأننا حينئذٍ نقف في طريق إمداد الإنسانية بالأجيال التي تعدّ امتداداً للنوع واستمراراً للحياة على هذا الكوكب. فالزواج حصانة ضدّ الكثير من الانحرافات. روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في أصحابه، فمرّت بهم امرأة جميلة، فرمقوها بأبصارهم، فقال عليه السلام: «إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها. فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله؛ فإنما هي امرأة كامرأة ». فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافرا ما أفقهه! فوثب القوم ليقتلوه، فقال عليه السلام: « رويدا إنما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب»(1).

فهذا الحل الذي يطرحه أمير المؤمنين عليه السلام هو حلّ نابع فيما لو تركنا الاُمور تسير على طبيعتها، أمّا إذا وقفنا بوجه هذا الحل الطبيعي والشرعي فأين يمكن أن يتّجه هذا المتطلّع بعينه، والذي يمدّها إلى ما متّع اللّه‏ تعالى به غيره من أزواج؟

إننا نعيش هذه المأساة بكامل أبعادها، ومن هذه الأبعاد ما تروّج له الكثير من القنوات الفضائية من عرض الأجساد العارية ووسائل الإغراء واللهو، ومنها ما نشاهده من مظاهر غير إسلامية في الشارع والمدرسة والمؤسّسة وأماكن العمل والأسواق وغيرها. وفوق هذا كلّه تجد الكتب والمجلاّت مليئة بالأفكار العارية والأجساد العارية. فهذا الشاب الذي لا يستطيع أن يتزوّج لما وضع في طريق زواجه من عقبات، ثم يتعرّض لمثل هذه المؤثّرات مع ماهو عليه من عدم توفّر المناعة والحصانة ضدها عنده، أو لم يكن عنده مستوى من التربية يؤهّله لأن يحصّن نفسه ضدّ الوقوع في الفاحشة حتماً سينهار أمام هذه الإغراءات والمؤثّرات الغريزية.

والأنكى من كلّ هذا أن المناهج الدراسية تركّز اهتمامها على الدروس العلمية والأدبية دون أن يحظى الجانب الأخلاقي بمثل هذا الاهتمام أو حتى بجزء منه، بل نجد أن هناك إهمالاً واضحاً وبيّناً لهذا الأمر، عملاً بمقولة أن مثل هذه الاُمور منوط أمرها بالمسجد. لكن لوعدنا إلى الواقع فإننا لن نجد هذا الدور للمسجد في غالب الأحيان، فهو في الكثير من الأماكن والموارد لا يعلّم الأخلاق والآداب، بل يعلّم هذه المتصاعدات والمتنازلات ممّا لا يهمّ الشباب في شيء، بل يذكي عنده كره الآخرين والحقد عليهم. إن الجميع مسؤولون عن هذا الجيل، وعليهم أن يتنبّهوا لتربيتهم، فهم جيل يائس حقّاً إذا كانوا تحت تأثير كلّ هذه العوامل الآنفة؛ سواء ما كان منها في المسجد ممّا يعلّمه لهم من الحقد على الغير، أو في الشارع ومحطّات التلفزة أو غيرهما. وعليه فيلزم توجيه هؤلاء الشباب ضمن نطاق الاُسرة بأخلاق الإسلام وأخلاق رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام، وعدم تركهم ليشرّقوا أو يغرّبوا في انتزاع أخلاقهم وآدابهم وعاداتهم.

إذن فالزواج حصانة ضدّ كل مرض أخلاقي أو آفة أدبية(2)، أمّا المتبقي من الآداب والأخلاق فإنه مسؤولية الاُسرة والتربية التي ينبغي أن تكون سليمة طيبة. ولذا فإننا نجد أن الفقهاء يفتون بوجوب الزواج فيما لو كان الشاب يتوق توقا كبيرا إليه، ويجد في نفسه رغبة كبيرة إلى قضاء حاجة هذه الغريزة بحيث إن الأمر يصل به إلى حدّ لا يتمكن معه من الصبر عنه وكان قادراً على الزواج مادياً، أما إذا تمكّن من الصبر عنه فإنه حينئذ يصبح مستحبّاً. لكن لو أنه بتزوّجه من امراة يعرّضها الءى الضياع؛ لأنه لا يستطيع أن يتكفّل بنفسه فكيف بزوجة وأطفال ومتطلبات اُسرة فإن الشارع حينئذ يأمر بالصبر والتحلّي بالأخلاق(3) حتى يتمكّن من أن يهيّئ نفسه له.

يتبع…

_________________

(1) نهج البلاغة / الحكمة: 420.

(2) ولذا فإنه يعدّ بنصف الدين كما عن رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله حيث قال: « من تزوج أحرز نصف دينه، فليتّقِ الله في النصف الآخر ». الكافي 5: 329، الفقيه 3: 383، كشف الخفاء 2: 239 / 2432.

(3) ومن ذلك استحباب الصوم له.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة