كشكول الوائلي _ 114

img

الدور الخطر والحسّاس لوسائل الإعلام

وعدا هذا فإن وسائل الإعلام تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه هذا الجانب الحيوي والهامّ، بل نحن نحمّلها هذه المسؤولية، قبل أن تتحوّل إلى مؤسسة رخيصة المتاع، وتنزل بالإنسان إلى مستوى الغرائز المنحطّة. وهذه الوسائل ـ السلاح ذو الحدين ـ يمكن أن ترقى إلى مستوى مؤسّسة متكاملة، وإن لم تكن متكاملة فلا أقل من أن تكون أقرب إلى الكمال ممّا هي عليه الآن؛ فتعالج هذه المسائل على أساس من العلم والتخطيط. وبتعبير آخر أكثر صراحة نحن مثلاً كمسلمين نعيش في دولة إسلامية فيجب أن نعرف أن تكاليف الإذاعة والتلفزيون تقوم بها الاُمّة، وتدفعها عن طريق دفع الضرائب، ونحن نريد لهذا الجهاز الحسّاس أن يشبع عندنا الفهم والجوع العقيديّين، وأن يعرفنا على منظور الإسلام في جانب الاقتصاد أو جانب الاجتماع أو جانب الاُسرة، وفي الوقت نفسه نحن لا نريد أن نتعرّف على كلّ هذا من خلال جماعات تفرضها عليّ مؤسسات دينية معيّنة.

فالمسألة ليست مسألة ارتزاق، وليس الأمر مجرّد محاولة إعاشة وإعالة جماعة من الناس عاطلين، عندهم بضع كلمات يلوكونها ويتشدّقون بها. فالفرد المسلم يجب أن يكون أعزّ علينا من هذا، كما أن مهمّتنا لا تبتني على إشباع حشرة على حساب جوع الملايين. فيجب ألاّ نترك الملايين من الشباب الذين عندهم نهم وجوع إلى المعرفة لأجل أن يعتاش على فكرهم شخص يكرّر لهم كل سنة أكثر من مرّة أن النبي صلى الله عليه وآله كان جميل الوجه، وأن نور بهاء طلعته يسطع على جدران المنازل لحظة مروره بالقرب منها، ويصحب هذا ضرب الدفوف وما إلى ذلك من وسائل مشابهة.

فهذا ليس هو الذي يحتاجه الفرد المسلم من وسائل الإعلام، بل إن هذا الفرد يحتاج إلى المعلومة الفكرية والعقيدية التي يستفيد منها في حل مشاكله الشخصية والعامّة، والتي تتماشى مع طبقات المجتمع كافّة، فتشرح للناس على اختلاف مراتبهم وأعرافهم وأذواقهم منظومة الفكر في ديننا وحضارتنا. كما يجب ألاّ يكون طابع الحضارة الذي يعكسه أي فكر مجموعة من التشنّجات القومية، بل الواجب أن يكون الطابع الذي يعكسه هذا الفكر عن حضارتنا هو الطابع الإنساني الذي يشكّل مادّة دسمة في معطياتها. وحضارتنا غنية بهذا الطابع أو الجانب، وكذلك تاريخنا.

وكل واحد منّا يستطيع أن يصوّر ذلك ويعكسه بهذا الاُنموذج الحيّ الرائع، وليس على أنه عبارة عن مجموعة من مظاهر التشنّج القومي، بل يجب تصويره على أنه منطلق إنساني بحت كما أسلفنا.

ونحن لدينا أقلام كفوءة تستطيع أن تعطي هذا الجانب حقّه من الشرح والتحليل الكافيين. فليس كافيا أن نعرف مثلاً أن البيت الذي يدفع الزكاة ستحلّ به بركة اللّه‏ جلّ وعلا، بل اللازم حنيئذٍ هو أن يذكر هذا الكاتب أو الفرد المسلم علاقة إخراج الزكاة بتوزيع الثروة، وبتطهير النفس الإنسانية ومشاعرها، وبإيصال الغذاء للمحرومين، أو باعتبارها جزءا من البنية الاقتصادية الإسلامية فيما يتعلّق بعملية إعادة توزيع الثروة داخل المجتمع الإسلامي، ومنع تمركزها في جانب معيّن منه، والعمل على تفتيتها وفق الضوابط الشرعية.

وهكذا فإن المطلوب هو توفير أقلام تتناول هذه الجوانب الحيوية الهامّة في مسألة إخراج الزكاة، أما أن نُقصر وسائل الإعلام على جانب البركة أو الثواب، فهو أمر غير صحيح، وتصوّر فجّ لا ينمّ عن عمق في التفكير وشموليّة في التحليل والتنظير. ثمّ إن هذا الأمر يعدّ ثانويّا قياسا بالجانب الأهم الذي أشرنا إليه؛ لأنه يخصّ الفرد نفسه، أما الجوانب التي أشرنا إلى ضرورة تناولها دراسة وتحليلاً فهي جوانب أولية حيوية تمتاز بأن لها الأولوية في التفكير والتحليل والدراسة؛ لأنها تتناول مشاكل المجتمع ككل وليس خصوصيات الفرد بشكل مستقل.

إذن ينبغي أن نرتقي بوسائل الإعلام عن أن نقصرها على مجموعة تظل تردّد وتكرّر المعلومات عينها، حتى إن الأسماع ملّتها لكثرة ما سمعتها. فنحن نتوقع ونأمل ونتطلّع إلى وسائل إعلام تقوم بهذا الدور وتضطلع به؛ وتمتاز بكونها وسيلة تربوية ضخمة. وهذا خصوصا الوسائل المرئية (جهاز التلفاز)، فهو يفعل في النفوس فعله. فإذا توفّرت لدينا مجموعة كفوءة وكان كل همها ودأبها ومهمّتها سدّ حاجات البلد عقيديّا، وحقنه بجوّ من المناعة، وتحصينه بالفكر، يستطيع هذا المجتمع أن يقف في وجه الغزو الثقافي الوافد.. الغزو الثقافي المنحرف الذي يحاول أن يحرّك رغبات الناس ويستفزّها، وخصوصا الشباب منهم.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة