نفاذ البصيرة

img

قال الإمام الصادق عليه السلام: «كان عمنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين عليه السلام، وأبلى بلاء حسناً، ومضى شهيداً»([1]).

امتدح المعصوم عليه السلام أبا الفضل عليه السلام بصفتين، وهما: نفاذ البصيرة، وصلابة الإيمان.

نفاذ البصيرة

فلنتعرض إلى معنى البصيرة عند أهل اللغة و الاصطلاح

 في اللغة: بمعنى الادراك، الشاهد، الدليل، الفطنة.

واصطلاحاً: انفتاح عين القلب، سعة الادراك، استشفاف النتيجة ورؤيتها من البداية، ملكة تقييم الأيام الآتية مع اليوم المعاش، والقدرة على النفاذ إلى كنه الاُمور وخفايا المعضلات.

وفي كتاب القاموس نافذ البصيرة بمعنى قوي الادراك، ثاقب الفكر.

ورد في تفسير الأمثل عن آية 104 في سورة الأنعام قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾.

إن بصائر جمع بصيرة من البصر، بمعنى الرؤية، ولكنها في الغالب رؤية ذهنية وعقلانية، وقد تطلق على كل ما يؤدي إلى الفهم والادراك.

أما عند صاحب تفسير الميزان (قدس سره) يقول: «البصيرة رؤية القلب والادراك الباطني، وإطلاقها على إنسان من باب زيد في العدل أو التقدير: الإنسان ذو بصيرة على نفسه.

  1. والإنسان لا يصبح ذو بصيرة إلا إذا نال من الدرجات العالية من الإيمان والتقوى والقرب «إلهي، وذلك عن طريق ترك جميع المحرمات وفعل جميع الواجبات، وأن تكون جميع الطرق التي توصله إلى الله تعالى مفتوحة له حتى يسهل له الاتصال بالله والوصول إليه لا تسد هذه الطرق بأي شيء من الذنوب التي تصبح عائق في طرق الوصول إلى الله تعالى. قال الإمام علي عليه السلام: «لا تستبطىء إجابة دعائك وقد سددت طرقه بالذنوب». ولأن الذنوب تتراكم على القلب وتحجبه عن القرب لله، وتكون رين على ذلك القلب. قال تعالى ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ([2]). وإذا أردنا أن نرفع الحجب عن هذا القلب فلابد لنا من الاستغفار حتى ترفع هذه الحجب.
  2. أن تكون جميع أعمالنا لله تعالى حتى في الأكل والشرب والشهوات المحللة لا يفعلها الإنسان إلا بالنية القرب إلى الله تعالى.

وهذا يفسر لنا مقولة أمير المؤمنين أنه لا يعمل عمل إلا إذا رأى الله قبله وبعده ومعه ـ أي العمل ـ .

  1. أن تكون جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله كلها تحت رضا الله. إذا أصبحت بهذه الكيفية أصبح الإنسان نافذ البصيرة وتتكشف له اُمور غيبية، يفتح الله له نافذة على الغيب فيرى أشياء لم يكن يراها، وهذا واضح جلي عند علماء العرفان مثل: الاُستاذ السيد علي القاضي، وآية الله محمد تقي بهجت، والسيد عبد الكريم الكشميري، والمقدس الأردبيلي، والشيخ حسن زادة آملي.

العلماء كلهم من تلامذة العرفان هؤلاء صار عندهم نفاذ في البصيرة؛ لأنهم رفعوا الحجب التي تغطي على قلوبهم وتركوا المعاصي وفعلوا الواجبات وصار عندهم اتصال مباشر مع الله تعالى. في الحديث القدسي: «يا عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشيء كن فيكون».

ولذلك علماء العرفان لهم كرامات كثيرة مثل: طي الأرض، معرفة ما تريد التحدث به قبل أن تتحدث به، ورؤيا الإمام والتحدث معه.

حتى نحن إذا أردنا أن نصل إلى هذه المقامات الرفيعة نستطيع ولكن يراد لنا جهد وعزيمة وإرادة قوية لترك الذنوب والالتزام بفعل الواجبات وكذلك الاستمرار على المجاهدة والتوفيق من الله تعالى، وهذا يسمى بجهاد النفس أول درس في علم العرفان.

 وإذا كان هؤلاء العلماء الأجلاء وصلوا إلى هذا المقام الرفيع وهم لا يصلون إلى ربع إيمان أبي الفضل العباس سلام الله عليه فكيف بقاضي الحاجات أبا الفضل سلام الله عليه.

وصف الإمام المعصوم أبا الفضل بصلب الإيمان

وذلك ظهر جلياً في كربلاء حيث نادى الشمر على أبا الفضل يريد ان يعطيه صك الأمان مع إخوته من اُم البنين، ولكن أبا الفضل أبى على الرغم من أنها كانت فرصة ذهبية له للتخلص من الموت المحتوم وهو لا يزال في ريعان شبابه.

يوم العباس عليه السلام

__________________

([1]) من كتاب المجالس السنية مجلد 1: ص116.

([2]) سورة المطففين: 14.

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة